"حين لاتحب المكان.. استبدله.. حين يؤذيك الأشخاص.. غادرهم.. حين تمل.. ابتكر فرصة جديدة.. حين تحبط.. اقرأ بشغف.. المهم في الحياة ألا تقف متفرجاً..". (أنطون تشيخوف). كم عدد المتفرجين في الحياة؟ وكم عدد المتفرجين على الحياة؟ وكم عدد المتفرجين على أنفسهم وهي تبتعد عنهم؟ وكم عدد الذين لم يبالوا بالحياة وكأنهم يعيشون خارجها؟ للإجابة علينا أن نخرج من دائرة ما نسميه العجز أو عدم القدرة على اتخاذ القرار أو معالجة أمر ما كوننا نفتقد وسائل المعالجة وأيضاً نتدثر بالخوف من أن نعالج.. لأننا أسرى ما أصابنا أو ما نحن فيه.. والتفكير للخروج منه يعتبر قفزا على استمراريته أو بقائه خاصة وأن الغالبية أدمنوا التفرج على ماهم عليه رغم قدرتهم على المغادرة لو أرادوا..! أين تكمن المشكلة هنا.. هل هي في تضييق المسافات ليسجن كل منا نفسه داخل دائرة تظل تضيق حتى يصعب الخروج منها رغم أنها كانت متسعة وكان بالإمكان مغادرتها بسهولة ودون تفكير أو تردد..، أم في محدودية التفكير الذي يدفع للرضا دون رضا بما أنت فيه رغم قدرتك على خلق إحساس الرضا والتمتع به من خلال التغيير؟ التغيير الذي هو الانتقال من ضفة إلى ضفة ليس بالضرورة أن تكون الضفة المواجهة وربما تكون الضفة الأبعد.. ولكنها ليست ضفتك التي لم تعد تجد نفسك داخلها أو تلتقي بها أو تبادلها الحب.. أو تلامس فيها نفسك..! التغيير هو كسر المعتاد والتقليدي بتجاوزه.. دون تأهيل كما يرى البعض ودون مسبقات.. عليك أن تعتاد على مغادرة دور مقاعد المتفرجين متى أردت فهي ليست إجبارية بل اختيارية.. منذ شهور حضرت أحد العروض الفنية الراقية التي تعجبني في إحدى الدول ورغم رغبتي الشديدة في الحضور وازدحام القاعة وجدت نفسي في عرض مختلف لم يكن هو ما توقعته وفي أول استراحة غادرت لأتنفس هواء نقياً خارج القاعة.. لايعني أن أتحول متفرجة أن أبقى في مكاني أتابع مالا يعجبني أو يروق لي.. ينطبق ذلك على الحياة بمجملها.. فالمكان الذي لايعجبك حاول تغييره.. والعمل الذي تؤديه بملل واعتيادية وروتين قاتل حاول أن تغيره.. وتعمل ما تحبه.. لتستمتع بدلا ًمن التمسك بمبدأ أين سوف أجد بديلا له.. تقول ذلك وانت لم تبحث ولم تفتش والأهم من ذلك كله.. لم تفكر في التغيير ولكنك تظل أسيراً للشكوى والتعذيب..! في البشر والوجوه تجد شخصا يشتكي من آخرين أصدقاء أقارب بأنه ملّ منهم وشبع من همومهم ومع ذلك هو معهم.. وعندما تسأله غادرهم.. يقول: إلى أين أغادرهم؟ من الصعب الافتكاك منهم أو التنصل أو الهروب.. هم مكتوبون عليّ رغم أن ذلك غير صحيح.. فهو يستطيع أن يبتعد خصوصاً لو تعمد هؤلاء الأشخاص أذيته.. وأصبح وجودهم في حياته يشكّل عبئاً عليه.. ما الذي يمنع من مغادرتهم أو التنصل من معرفتهم ولو لوقت والانفراد بنفسك.. بدلا ًمن مكابدة الضيق والألم والبقاء معهم؟ في الملل كلنا يشتكي منه وكلنا يعاني لكن من يفكر أن يكسر حدود الملل؟ من يحاول أن يتجاوزها ويقفز عليها ليرسم له طريقاً يبتعد فيه عن الاعتيادية والتكرار؟ تشعر أحياناً أنك لاتعرف إلى أين أنت ذاهب، أو كيف ستذهب.. تنغلق أمامك منابع الحياة كاملة.. تشعر أنك ضد كل الاشياء.. يتوقف التفكير إلا من تفكير ساذج وبدائي.. تشعر كأنك في مركب ولكن دون شراع ومع ذلك لم تحاول أن تهيئ له الشراع لتبحر.. وهنا اللحظة الفاصلة بين أن تخلق فرصة حياة جديدة، وبين أن تبقى أسيراً لفرص الحياة التي أنت داخلها والخالية من الحياة أصلا.. تتشابه مع ذلك الشخص الذي ظل يراقب السفينة وهي تغرق ولم يحاول الاستنجاد أو الاتصال للنجدة أو إنقاذها لأنه يعرف كما يقول أنها في النهاية سوف تغرق..! لاتقف متفرجاً على الحياة.. ومما يقول تشيخوف اقرأ ولكن بشغف فالقراءة تعيد الأمل.. وتُريك مخارج النجاة التي أنت لاتراها.. وتذهب معها إلى عالم مختلف عفوي تنساب داخله وكأنك تتملكه.. لايحاصرك إرث الخوف.. ولا إرث الملل ولا إرث الإحباط.. فقط حصار المعرفة..! كثيرون هم من تعبر الحياة من جانبهم ولايرونها، ويعبر الزمن ولا يحاولون إيقافه.. أقصد الزمن الجميل.. تعبر الحياة الصاخبة والتي لم تتوقف عن الفيضان بالأمل والفرح وهم يتفرجون عليها مغمورين بتشبثهم بمقاعد المتفرجين والتي يعتقدون أنهم لو غادروها ستكون الخسارة فادحة ولذلك عليهم الحفاظ على دور المتفرج والمحافظة على بقائه لمعرفتهم به وخوفهم من تجريب مقاعد أخرى تكون فيها الفعالية لهم..! ومابين المتفرج والفاعل تكمن الحياة الحقيقية وتكون صورتها.. التي يرسمها من يبحث عنها وليس من يطلق عليها رصاص الخوف..!
مشاركة :