ما يمر به العالم العربي في هذه الأيام من تفكك -رغم المحاولات الجادة لإنشاء وحدة عربية حقيقية تنتشل الأمة مما هي فيه من تمزق- أمر يدعو للحزن والأسى، وهي حالة لم يبلغ فيها العالم العربي هذا المبلغ من قبل، وهي بلا شك نتيجة أسباب داخلية ودوافع خارجية استمرت في تدخلاتها، مستغلة الضعف الذي ينتاب الجسد العربي لدرجة الوهن، هذا هو حال أمتنا طوال القرن الماضي وكذلك الحالي، فبعد أن كان الخلاف بين الأشقاء استدعته خلافات في النظم السياسية «شرق وغرب»، تحوّل إلى خلاف أيديولوجي، ظهرت تبعاته من خلال ما نشهده من اضطرابات داخلية في أغلب البلدان العربية، تهدد نسيجه الاجتماعي، وترابطه، ووحدته، حدث ذلك من قبل، من زمن بعيد، عقب انفصال العرب عن الحكم العثماني، فتولد عنها اتفاقية «سايكس بيكو»، حيث اقتسمت الدول الأوروبية الأقاليم العربية وسيطرت عليها، ونهبت ثرواتها لزمن ليس بالقليل، كما تم زرع إسرائيل لتكون شوكة في خاصرة العالم العربي ومصدر إزعاج لهم، بعد أن وجد «بلفور» الفرصة سانحة أمام تنفيذ وعده، ومع كل هذا لم تستفد بعض البلدان من الدرس جيداً، وها هي الحروب الداخلية تنخر من جديد في الجسد العربي، والتمزق يسود معظم دوله، سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، والعدو ظاهر للعيان، وفر مناخا ملائما لقوى متطرفة وتيارات دينية متشددة دفع بها إلى الساحة العربية، واتبع سلوكا منفرًا بغية تصدير ثورته، واجتاح دولًا ذات سيادة وفككها، ونصر فريقا على آخر، ونحن ندرك جيدا بأنه ما كان له أن ينجح في تحقيق مآربه لو لم يجد بيئة ومناخا يخضعان لمخططه السياسي التوسعي، وكان من الطبيعي في ظل نظام يفتقر إلى سلطة عليا لفض الصراعات أن تلجأ بعض الدول إلى العامل العسكري باعتباره الحل الحاسم لحمايتها من الأعداء التعاون الذي تظهر عليه العلاقات العراقية الإيرانية هذه الأيام للدرجة التي تدخل فيه القوات الإيرانية الأراضي العراقية بحجة محاربة داعش، تعاون يحمل في طياته مستقبلا غير واضح للعراق والعراقيين، وما هو سوى احتلال يحمل صبغة تعاون، لأن الإيرانيين يدركون أهمية هذه البوابة الشرقية التي يفتح نصفها على مياه الخليج، ونصفها الآخر على أراضيهم وعلى الأراضي التركية، وهي بهذا الاحتلال تريد أن تنفرد بتقرير مصير الخليج والدول المطلة عليه، وهي بالطبع تحلم بذلك. وعلى العالم العربي إذا كانت لديه نية صادقة في بناء وحدة قوية أن يقف بحزم أمام التجاوزات الإيرانية أولا، لأنها كما يبدو واضحا تقف خلف كل ما يجرى في العالم العربي من أجواء اضطرابات وزعزعة للأمن، فهي موجودة في العراق، واليمن، وسوريا، ولبنان، وإن كانت قد فشلت في اليمن نتيجة التصدي لها بكل «حزم» من قبل قوات دول التحالف، وهو التحالف المصغر الذي يجب أن يكون نواة للتحالف العربي الكبير. hnalharby@gmail.com
مشاركة :