ألبرتو مانغويل.. رجل المكتبة الأول

  • 3/22/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود الأديب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، المولود عام 1948، هو رجل المكتبة الأول، هام بالمؤلفات والكتب إلى حد أن العديد من إصدارته خصصها لتمجيد القراءة؛ ذلك الفعل الإنساني العجيب الذي نقل البشرية من عصور الظلمات إلى إشراقات نور المعارف والحضارة، وهي ذلك الصوت المتمرد الرافض الذي رفع الإنسان إلى مقام الحرية. إن القراءة عند مانغويل هي أيضاً فعل يقاوم عالم الاستهلاك الذي صار هو الحاكم والمحرك للحياة على كوكب الأرض في العصر الراهن، فهو يأسف لحال الناس وقد انصرفوا عن القراءة وتحولوا إلى كائنات استهلاكية تشتري وتلهث وراء كل منتج جديد باستثناء الكتب، كل تلك التعريفات وضعها مانغويل في مؤلفاته العديدة التي بحث فيها عن القراءة وما تفعله في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب؛ بل إن الرجل قد تطرق إلى نوع آخر من القراءة فيه المتعة والمعارف، ولكنه لا يعتمد على الحروف والكلمات، وذلك عندما قام بتأليف كتابه «قراءة الصور» الذي يقدم فيه قراءة باهرة تكشف عن غنى الذائقة البصرية والفنية لديه، ومدى اطلاعه على تاريخ الفنون الغربية من لوحات شهيرة ومنحوتات.بلغ عشق مانغويل للقراءة أن صار يجنح نحو اكتشاف الأساليب الجديدة والفريدة والممتعة، وذلك عندما دعا القراء إلى تدوين قصصهم وحكاياتهم مع الكتب التي اطلعوا عليها، وذلك من خلال مؤلفه «قراءة اليوميات» الذي دوّن فيه ملاحظاته عن قراءاته، وهو أقرب إلى مفكرة شخصية تنطوي على أسرار ممتعة للقارئ المتمرس، وقد لخص مانغويل في ذلك الكتاب قراءاته عبر سنة كاملة من 2002 إلى 2003، وهي الفترة التي قرأ خلالها اثني عشر كتاباً علق عليها وكتب ملخصات لها. عالم متكامل ولم ينس مانغويل تلك الحاضنة السحرية التي تضم المؤلفات والمخطوطات والكتب، إنها المكتبة، فهي عالم قائم بذاته يصيب الإنسان بشغف القراءة فيستسلم لسحره تماماً، فالمكتبات كان لها الدور الأكبر في قصة الحضارة، ومانغويل في المكتبة هو شخص آخر، هو راهب متبتل في حضرة القراءة، وهو عاشق يفرد كل حواسه ليسمع ويرى ويشم ويتحسس الكتاب، فحتى الكتب لها رائحة مختلفة تفوق كل منتجات بيوت العطور العالمية، فالمكتبة هي عالمه الخاص الذي يتجول فيه بين الحضارات والتاريخ والثقافات والسير والعبر والدروس، وفي حضرة المكتبة ثمة طقوس خاصة يجب أن يمارسها القارئ العاشق المحترف، فللمكتبة احترامها وقدسيتها وجلالها.جميلة هي عوالم مانغويل، وماتع ذلك التطواف الذي يأخذ فيه القارئ إلى رحلة الشغف بالقراءة والكتب، ولكم حز في نفسه أن تلك العوالم لا تجذب كل الناس، فعمل جهده في مؤلفاته على تحريضهم ودفعهم نحو القراءة بدافع الحب قبل كل شيء، وجاءت كتاباته عن المكتبة والقراءة محتشدة بتفاصيل ساحرة وبديعة وكأنه يرش على الناس في كل مكان وصفة سحرية لأجل جذبهم إلى هذا العالم الجميل. ومن بين تلك المؤلفات نتخير لكم كتابين سكب فيهما عصارته وخبرته وكل معارفه، وهما: «المكتبة في الليل»، و«تاريخ القراءة»، وهو تجوال ينشد المتعة والنظر عن قرب. رمزية الليل لما اختار مانغويل الليل دون غيره؟ هذا السؤال ربما يخطر مباشرة في ذهن من يطلع على عنوان كتاب «المكتبة في الليل»، والإجابة عن السؤال من قبل مانغويل تجعلنا نقف أمام صورة أخرى للمكتبة، فهي تبرز كمكان يمتلك سر الأسرار؛ عالم فريد لا يكشف عن مكنونه إلا وفق نظام خاص، ففي الليل عندما تضاء مصابيح المكتبة يتلاشى العالم الخارجي، ولا يبقى في الوجود إلا فضاء الكتب، هكذا وصف صديقنا مانغويل مكتبته وكيف تكون في المساءات، حيث الوحدة والسكون فلا شيء يصدر صوتاً إلا الكتب نفسها، تعبر عن صخبها الخاص.فالليل هو وقت القراءة الأثير عن مانغويل، فالصمت والهدوء والسكون هي طقوس لازمة من أجل ممارسة فعل مقدس هو القراءة، وفي الكتاب نستمع إلى قصة اختيار مانغويل للمكان النائي الذي شيد عليه منزله ومكتبته، فقد تم اختياره بعناية تامة تؤهله لأن يحتضن المكتبة، ثم يتحدث المؤلف عن المكتبات الأكبر والأشهر والأجمل في العالم، في رحلة استكشاف عجيبة، ويخص بالذكر مكتبة الإسكندرية بوصفها الأقدم والأعظم، ثم يطوف سارداً حكايات تطور المكتبات حتى يصل إلى المكتبة الرقمية. حقاً إن «المكتبة في الليل»، هي تفاصيل رحلة ملهمة عبر المعرفة العظيمة التي تضمها المؤلفات، وهي القصة الآسرة للدور الحيوي الذي لعبته المكتبة في الحضارات وفي تطور البشرية، فالمكتبات بالنسبة لمانغويل تجسد ذاكرة الأفراد والثقافات.إن تاريخ القراءة بالنسبة لمانغويل هو رحلة الحضارة، يرصد فيها الصراع بين الظلام والنور وانتصار الأخير.

مشاركة :