يأمل الجميع دون شك أن تنفرج الأزمة الإسكانية، فيما يكمن الاختلاف في الطرق المؤدية لحل تلك الأزمة التنموية، فريق يرى مدخل الحل من جانب التمويل اللازم لشراء الأراضي والعقارات، وهو النافذة التي ظلت تستأثر بالدعم وضخ الأموال طوال العقود الماضية، ولا تزال حتى تاريخه، وقد لا يهتم هذا الفريق بواقع التشوهات التي تعج بها السوق العقارية والإسكانية، على الرغم من أن أحد آثار دعمه لزيادة القدرة التمويلية والائتمانية للمشترين الباحثين عن تملك مساكنهم، أنها تكرس لتلك التشوهات كاحتكار الأراضي واكتنازها دون تطوير، وتحفز على انتشار هذه التشوهات التي تفضي إلى الزيادة المستمرة في الأسعار، والتسبب في تآكل القوة الشرائية للأفراد عبر سباق ارتفاع تكلفة إيجارات الأصول العقارية باختلاف أنواعها، كنتيجة تالية لارتفاع أسعارها السوقية! الذي بدوره يسهم في ارتفاع التكاليف ومن ثم ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات، والدخول في حلقة مفرغة من التضخم، تبدأ بارتفاع أسعار الأراضي والعقارات، لترتفع تكلفة إيجارات المساكن والمواقع التجارية والصناعية، وهكذا دواليك دون نهاية محددة لتلك الحلقة المفرغة! الفريق الآخر؛ يرى أن الطريق الأمثل يبدأ من ضرورة إصلاح التشوهات التي أفضت إلى صناعة الأزمة العقارية والإسكانية، وهو الحل الأدنى تكلفة والأكثر حصافة والأوسع من حيث العوائد على الاقتصاد والمجتمع، فما تشهده البلاد من تضخم كبير في أسعار الأراضي والعقارات، على الرغم من أن أغلب تلك الأراضي ينتمي إلى الأراضي الخام الخالية من أي تطوير، شجع أصحاب الثروات في غياب أي فرص استثمارية بديلة، على الدفع بتلك الثروات وتخزينها في الملايين من مساحات الأراضي بهدف تنمية قيمتها، تطور الأمر لاحقا إلى تحولها لقناة استثمارية لا تنافسها قناة أخرى، تتيح لملاك تلك الثروات مضاعفتها في أقل من عام واحد! وزاد من سوء الأمر لاحقا، ونتيجة لارتفاع تكلفة الإنتاج والتشغيل، إضافة إلى زيادة اشتراطات وتعقيدات بيئة الأعمال المحلية من حيث التأسيس والتوظيف والتشغيل، إلى قيام عديد من مطوري الأعمال بعد توقف أنشطتهم بتحويل أموالهم للمتاجرة في الأراضي بيعا وشراء، بل إن حتى الشركات والمؤسسات بما فيها الشركات الأجنبية لجأت بدورها للاستثمار والمتاجرة في الأراضي والعقارات، وعدا أن إغراءات الأرباح الهائلة الناتجة عن تلك المضاربات في السوق العقارية وقفت وراء هذا الانجذاب الشديد، إلا أن غياب التشريعات والأنظمة التي تحد من هذه الفوضى، وانعدام أي تكلفة على هذا التوجه المضاربي أو الاستثماري، دفعت كلها مجتمعة وشجعت تلك المغامرات المالية الهائلة، التي أدت بدورها إلى ارتفاع وتيرة الأسعار إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من صناعة واحدة من أكبر الفقاعات السعرية في الاقتصاد الوطني. لأجل كل هذا؛ اندفع الفريق الأخير إلى الحلول الأخرى خارج دائرة دعم التمويل (الحل الأسهل)، وتحديدا إلى: (1) ضرورة إصلاح التشوهات في السوق العقارية، عبر فك أشكال الاحتكار والاكتناز برفع تكلفة مثل هذه السلوكيات، عبر فرض الرسوم على اكتناز الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، إضافة إلى فرض الزكاة على ما كان منها بهدف المتاجرة والاستثمار، وأغلبها كذلك قياسا على زيادتها عن حاجات تملك المسكن بالنسبة للملاك. (2) تسهيل وتذليل طرق تطوير وإحياء الأراضي البيضاء، لزيادة العرض المتاح للتداول منها، على عكس الوضع الراهن؛ الذي يكافئ المكتنز والمحتكر على حساب المطور والمستخدم لتلك الأراضي. (3) زيادة القيود على جوانب التمويل والائتمان على عكس ما هو قائم في الوقت الراهن، وهو الحل الذي يراد من خلاله إلجام وقود اشتعال الأسعار المتضخمة جدا، التي ستؤدي إلى حماية النظام المالي بالدرجة الأولى، وحماية أفراد المجتمع من التورط في شراء أي أصول عقارية مقابل الارتهان إلى ديون مصرفية وتمويلية هائلة وطويلة الأجل. نقلا عن الاقتصادية
مشاركة :