إن المفاوضات بين الحكومة اليونانية ودائنيها لم تنقطع منذ شهر فبراير 2015 دون اتفاق أو انفراجة جدية ولازالت خزائنها فارغة حيث يتعين على اليونان دفع أربع دفعات بالتتابع في شهر يونيو الحالي (5 و12 و16 و19 يونيو 2015) قيمتها 1.6 مليار يورو لصندوق النقد الدولي حيث يبلغ القسط الأول منها (300 مليون يورو) ويستحق الدفع يوم الجمعة الخامس من يونيو 2015 والذي لم ينفذ، في حين يتوجب على اليونان الساعية الى اجراء إعادة هيكلة للديون، دفع أيضا ما جملته 11 مليار يورو بين يونيو واغسطس 2015 لدائنيها وبشكل أساسي للبنك المركزي الأوروبي. يبدو ان المفاوضات قد وصلت إلى طريق شبه مسدود لعدم الاتفاق على جميع الاصلاحات المطلوبة من اليونان حتى آخر اجتماع بين اليونان والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي الذي انعقد في بروكسل يوم 4 يونيو الماضي، وقد يؤدي ذلك إلى بناء عائق كبير للإفراج عن دفعة من المساعدات التي تعتبر حيوية قبل نفاد السيولة، حيث تعتبر هذا السيولة ضرورية وتشكل عاملا هاما للوفاء بسداد ديونها ومواصلة دفع الرواتب والمعاشات. و لم تتهاون مؤسسة موديز في تخفيض التصنيف الائتماني لسندات اليونان الخاضعة للمضاربة لتصبح في فئة فائقة المخاطر بسبب الغموض الشديد والضبابية التي احاطة احتمالية التوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب بين الأطراف الدائنة واليونان حتى تتمكن من سداد التزاماتها المالية، إضافة إلى تزايد القول عن احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو في حالة عجزها عن سداد ديونها السيادية وهذا لا يعني التخلص من المخاطر. كما لم يحقق ضغط وزير الخزانة الأمريكي على نظرائه في الدول الأوروبية الأعضاء في مجموعة السبع، بعد التوتر الذي ساد العلاقة بين اليونان والأطراف الدائنة، إلى الوصول إلى اتفاق ينهي أزمة الديون السيادية اليونانية في اجتماعات وزراء مالية مجموعة الدول السبع الكبرى بمدينة دريسدن الألمانية يوم 29 مايو 2015. إضافة إلى ذلك تفرض قضية الإعسار اليوناني ضغطا كبيرا على السياسيين والاقتصاديين الأوروبيين والأمريكيين حيث إن عدم مواصلة الدعم لليونان وبالتالي وقوع الإعسار قد يدفع اليونان للخروج من منطقة اليورو، وقد يولد آثار سلبية على الاقتصاد اليوناني ويقوض ثقة المستثمرين بالعملة الأوروبية الموحدة . وقد جادل الأوروبيون وخاصة الالمان في الاجتماعات الأخيرة لصندوق النقد الدولي إن اعسار اليونان او حتى خروجها من منطقة اليورو قد تم احتساب تداعياتها في الاسواق وإن إمكانية احتواء الصدمات أي بمعنى آخر إن خروج اليونان من منطقة اليورو قد لا يكون أمرا وخيما ولكن هذه الحجة مفرطة في التفاؤل حيث إن اليونان ليست الدول الوحيدة المثقلة بالديون في اوروبا. إن خروج اليونان من منطقة اليورو لن يكون دواء شافيا من أمراض اقتصادها حيث إن بقائها خارج سرب عضوية اليورو لا يمثل حماية لها من مشاكل المديونية المفرطة حيث إن اللجوء الى عملة ضعيفة لن يقود آليا إلى رفع القدرة التنافسية وبالتالي زيادة الصادرات والاستعاضة عن السلع المستوردة، ويقود إلى تعظيم الناتج المحلي الإجمالي والعائدات الضريبية ويخفض تكاليف الإعانات. ناهيك عن ان اللجوء إلى عملة ضعيفة وإعادة حساب الدين العام المقوم باليورو لن يقلل عبء الدين. إن طرح فرضية خروج اليونان من منطقة اليورو قد تطرح في هذا الوقت تساؤلات جيوسياسية أيضا، نظرا لموقع اليونان في الزاوية الجنوبية الشرقية الحيوية استراتيجيا من القارة الاوروبية وعضويتها في حلف الناتو، وبالمقابل تمثل دول البلقان منطقة مهمة وحساسة لروسيا بعد وضع الناتو أقدامه على أراضيها من جهة، ومن جهة أخرى فإن لقاء رئيس الوزراء اليوناني وبالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو يوم 8 من أبريل 2015 في ظل سياسة العقوبات الأوروبية والأمريكية والموقف الممانع لليونان لها، قد تضع خروج اليونان من دائرة اليورو في ميزان الأرباح والخسائر الأوروبية والأمريكية الجيوساسية إضافة للتكاليف المالية والاقتصادية. والكل يعلم ان العملة الموحدة اليورو هي رمز لإنجاز أوروبي لمشروع تكاملي لدول كانت تعيش بالأمس في خضم صراعات قاسية وإن نجاحه يمثل المستقبل السياسي المرتبط باليورو والذي وصفه جاك ديلور (أحد مؤسسي اليورو) بـ جوهرة التاج الأوروبي ولا يعني ذلك إن المحنة اليونانية أمام أفق مسدود، بل دروب جديدة للتخلص من الأفكار الاقتصادية القديمة وتطوير أفكار جديدة لعمليات النمو الاقتصادي.
مشاركة :