يوسف أبو لوز في موعدها وفي انتظامها التكريمي المحترم للكتّاب العرب، ذهبت جائزة الشيخ زايد للكتاب في هذه الدورة إلى الشاعر التونسي المنصف الوهايبي؛ شاعر قصيدة التفعيلة المبنية على ثقافة جمالية عالية، والمبنية أيضاً على ثقافة تاريخية، إلى جانب ثقافة الأمكنة وجمالياتها المادية والروحية والتشكيلية.فوز المنصف الوهايبي بأرفع جائزة أدبية عربية، هو فوز للشعر، وتحديداً فوز للجيل الشعري الذي ينتمي إليه الوهايبي وهو جيل الثمانينات أو نهايات السبعينات، هذا الجيل الذي تخلّص الكثير من شعرائه من الشعار السياسي المنبري، وهيمنة الأيديولوجيا، واللغة العالية الصوت، لتطغى بذلك على صوت الشعر وتحوّله إلى خطاب مسيّس.فوز المنصف الوهايبي أيضاً، تكريم ثقافي إماراتي للبيئة الشعرية العربية المغاربية، وتكريم آخر لشعرية القصيدة التونسية التي نهضت على أسماء كثيرة تستحق الاحترام، مثل محمد الغزي، المنصف المزغني، يوسف رزوقة، وغيرهم من شعراء تونسيين معروفين ببلاغاتهم الحرّة الجمالية، كما هم معروفون بعشقهم التاريخي للشعر، وعندما تعود إلى قائمة هؤلاء الشعراء الطويلة يدهشك تنوّع الأجيال الأدبية وتكاملها، واستقلالية كل صوت شعري عن الآخر، لكن كل ذلك يؤدي إلى هوية شعرية تونسية لها عناصر تميزها الإبداعي في المشهدين الثقافيين العربيين: المغاربي، والمشرقي.عرفنا في الشرق غنائية وشفافية شاعر الإرادة الإنسانية المنتصرة دائماً على اليأس والتشاؤم، وهو العلم التونسي المغاربي المشارقي أبو القاسم الشابي، ولكن صاحب «إذا الشعب يوماً أراد الحياة/فلا بد أن يستجيب القدر»، لم يكن الشجرة التي غطّت على الغابة، ففي تونس مئات الشعراء الذين تجري في عروقهم عبقرية اللغة العربية التي مثلها أبو القاسم الشابي في فترة من فترات الشعر التونسي، ولذلك أسباب كثيرة، من بينها عشق التونسي للشعر، وحرفيته الفطرية في تذوقه، والإصغاء إليه.لقد قرأت شعراً مرتين في تونس، وعرفت عن قرب الشغف التونسي بالشعر، وأكثر من ذلك، عرفت الحس النقدي التلقائي وخاصة عند الشباب وطلبة الجامعات تجاه الشعر، واستقباله بحيوية ثقافية لافتة.عربياً، عرفنا المنصف الوهايبي في عدد من المناسبات الثقافية في المشرق العربي، من بينها مهرجان جرش في الأردن، وكان الوهايبي قد قرأ للمرة الأولى في تسعينات القرن العشرين، إذا لم تخن الذاكرة. ومذّاك، وفي تظاهرة شعرية عربية كبيرة، نجح الوهايبي في رفع علامته الشعرية التي عمل على خصوصيتها وتثقيفها وإنضاجها منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.المنصف الوهايبي عمل بإخلاص للشعر وثقافته وتاريخه، والشعر بالمقابل أخلص إليه، ففاز بجائزة رفيعة محترمة. yabolouz@gmail.com
مشاركة :