لينا هويّان الحسن: أفكر في نفسي أولاً

  • 4/17/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في رواياتها قصص لنساء عشن تجارب استثنائية في الحياة، وفي كل مرة كانت تغزو عالم امرأة منهن، تجد ما يشبع فضولها الأدبي، ويروي ظمأها إلى الحياة، وهكذا بات من الصعب فهم من يمنح الآخر القدرة على الاستمرار؟ هي بمفرداتها وشغفها الهائل بالقصّ! أم هنّ بجميع ما يحملنه لها من أحداث وشخوص تستدعي الكتابة والتوثيق؟ وفي حين اعتقدت الروائية السورية لينا هويان الحسن، أنها مشروع فنانة تشكيلية، حيث أقامت في جامعة دمشق معرضين لما اعتقدته أعمالاً تشكيلية فذّة، غير أنها سرعان ما علقت بشبكة الكلمات، مؤكدة أنها «تفكر في نفسها أولاً». صياد الذاكرة وللعائلة دور كبير في بلورة شغفها بالكتابة، إذ تؤكّد: «حظيت بعائلة هانئة، في ظلّ أب حمل ذهناً منفتحاً نتيجة ثقافة ميزت شخصيته وطريقة تربيته، لهذا نشأت مستقلة وعموماً الناس يخشون الشخصيات المستقلة، والتي تحمل مشاريع خاصة، ما دفعني لتفادي العلاقات الاجتماعية، فقد كنت لا أزور الجيران، وقلما ألبي الدعوات، ومع الوقت ظفرتُ بفرديتي، التي فُهمت أحياناً، على أنّها تكبّر! فكم من السهل إلقاء الاتهامات على من لا يشبهوننا! هذا أمر أدركته وعشته، ولم أكترث قط لما يمكن أن يقوله أحدٌ، فالاختلاف مرفوض ومحارب، ويحتاج إلى قلب قوي ليستمر». وسواء في تجاربها الكتابية أو في حياتها الواقعية، لم تتخلّ الحسن في ذاكرتها عن بادية الشام، مكان النشأة وموطن جذورها الممتدة إلى قبيلة «الجميلة القيسية»، إلى ذلك، تقول: «المكان هو صيّاد الذاكرة، حظيتُ بطفولة غرائبية بامتياز، توزعت بين مدينة اللاذقية وشاطئ نادي الضباط، بحكم عمل والدي، إضافة إلى جذر العائلة القبلي، حيث البيوت المنسوجة من شعر الماعز وقطعان الماشية وحياة البداوة، لقد شكلتني تلك الطفولة في مكانٍ يزخر بالثراء، ظلّ حاضراً ليمنحني ألوانه». ميزة ثرية ومن القصص التي أثّرت في خياراتها في الحياة، تعود بالذاكرة إلى يوم كانت فيه طفلة في الروضة، حين وزّعت المعلمة على الطلبة أوراقاً بيضاء، وقالت دون اكتراث: «فليرسم كل واحد منكم قريته»، كانت الحسن أوّل من انتهى من الوظيفة، دفعت أمام المعلمة ورقة بيضاء، رُسم عليها مستطيل محمول ببضعة خطوط عامودية، فسألتها باستغراب: «ما هذا؟»، قالت: «بيت شعر، منزل جدتي وأعمامي وأخوالي». وفي نهاية الدوام رأت الحسن المعلمة تطلب أباها لتسأله من أين هم؟ تقول: «منذ تلك اللحظة تفتح برعم برّي صغير في عقلي، وعرفت أنني جئتُ من مكان مختلف، وأن البداوة ميزة لافتة وثرية». على الرغم من أنها تنتمي إلى مجتمع بدوي، لم تكن مشكلة الحسن في مواجهته، فقد كانت محمية من قبل عائلتها، مشكلتها الحقيقية كانت ولا تزال مع الوسط الثقافي، وتوضح: «لم تُعرف حالة الكتابة عن البدو والصحراء كما فعلت، كانت تسود ذهنية لا تقبل الجديد، ثلة ممن نصبوا أنفسهم نقاداً وكتاباً وحرّاساً شرسين للمألوف، عندما صدرت رواية «سلطانات الرمل» حظيت بشعبية غير متوقعة، بحيث قامت الناشرة الراحلة إلهام عدوان بإعادة طبع الرواية خلال أشهر قليلة، وهذا أمر لم يكن معتاداً في دمشق، هذا منحني دفعة معنوية قوية لإكمال مشروعي الأدبي، وفي الوقت نفسه فتّح عيون الوسط الثقافي، وتفاقمت مشكلتهم معي، وبدأت سيرة استذئابهم». متوسطية الهوى ويُلاحظ في جميع صور الحسن ولعها بالألوان، سواء بملابسها أو حتى الأمكنة التي تحتضنها، وتبرّر ذلك بأنها وافدة إلى عالم الأدب من الفن التشكيلي، واحتفظت بغرامها للونين: الأصفر، والأخضر، مثلاً كل منزل تسكنه تطلي بعض جدرانه بإحدى درجات الأخضر، خزانة ثيابها عامرة بالأصفر، تقول: «الحياة هي ألوان، لهذا أعشق الفن التشكيلي، وأحبّ البلدان الملونة، أنا متوسطية الهوى، نفرت بشدة من ضباب المدن الأوروبية، أكره الثلج والمعاطف والسماوات الرمادية». وعن حياتها الشخصية، تقول: «لا أزال متمسكة بالعزوبية، كخيار منسجم مع شخصيتي المستقلّة، لستُ تقليدية، ولم أركن يوماً لمعايير المجتمع، وقد وضعتُ لنفسي «استراتيجية» خاصة تتلاءم مع قناعاتي في الحياة»، وتؤكد: «لا عداوة لي مع الرجال على عادة الكاتبات، فقد بُنيت شخصيتي بسلاسة، وعلى نحو صلب وسليم بفضل الثقة التي مُنحت لي في وقتٍ مبكر، من قبل والدي، الذي يقول لي دائماً: «أين تضع نفسك، تجدها»، فكيف تكون المرأة يكون من حولها»، وتضيف: «اخترت العيش في مدينة بيروت، ورتبت عالمي الصغير، كما أريد اخترتُ أصدقائي ومعارفي، وقططي، والمقاهي والمكتبات والمطاعم التي أتردد عليها بذات المنطق الذي اخترت فيه كل شيء في حياتي: أنا أفكر بنفسي أولاً». أحمر شفاه يبدو أن النساء قبل الرجال، يسهمن في تقييد المرأة في قوالب نمطية. وتعلّق لينا هويان الحسن: «الأدب في عالمنا العربي معركة، خضتها بكلّ أشكالها، حتى أنني اضطررت للدفاع عن تسريحة شعري وهندامي، فثمة صورة نمطية للكاتبة في مجتمعاتنا، تتعارض مع التجديد»، مضيفة: «قبل سنتين نشرتُ صورة لي، احتفاءً بيوم المرأة العالمي، مع مرآتي وقلم أحمر الشفاه، فانهمرت علي الانتقادات من كاتبات ومثقفات، كان أمراً مضحكاً، ويكشف زيف النسوية العربية». قوائم قصيرة في رصيد لينا هويان الحسن روايات، منها «معشوقة الشمس» 1998، «سلطانات الرمل» 2009، «بنات نعش» 2005. وصلت روايتها «ألماس ونساء» إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في العام 2015. وإلى قائمة جائزة الشيخ زايد القصيرة لأدب الأطفال في العام 2016 عن رواية «البحث عن الصقر غنام». وجائزة الشيخ زايد القائمة القصيرة لأدب الأطفال في العام 2017 عن رواية «الذئبة أم كاسب». حياة منظمة بغير الكتابة تستمتع لينا هويان الحسن بكل ما في الحياة. فهي تقول إنها تحب الكتب، والشوكولاتة، والثياب والتسوّق، والأكل، والمطاعم، والطبخ، والسباحة، والبحر والجبل، والسفر. في حياتها كل شيء منظم، قهوة صباحها وشاي مسائها، تتمسك بعزلتها من دون أن تعيش الوحدة. عندها صداقات جميلة، وتعشق الموسيقا، وتحضر سهرات الطرب الحلبي. تعيش الحياة بكامل أبعادها، وعمقها، وتتجنب المناسبات التي قد ترغمها على المجاملات. عائلة مثالية عاشت لينا هويان الحسن حياة عائلية «مثالية»، فوالدها هو المشجع الأكبر. وبالنسبة لبقية العائلة، هي أكبر أفرادها، فلا صوت يعارضها. إلى ذلك، تقول: «أمي تمنت لي دائماً حياة نمطية. ورغم اختلاف وجهات النظر في الحياة بيننا، إلا أن طباعها منحتني نعمة تقدير الوقت. فقلد كانت سيدة تحب منزلها، ولا تخالط الجيران، ولا تحب جلسات الصباحية المعتادة في مجتمعاتنا. امرأة صموت. منها تعلمت الاستمتاع بصباحاتي في عزلة، والاستيقاظ باكراً، ومنها اكتسبت وسواس النظافة الشخصية والمثابرة اليومية».

مشاركة :