المصدر: كمال الذيب دلالات العنوان (حمزة العرب) بنية نحوية قائمة على الإضافة وليس على النسبة (حمزة العربي) مثلاً.. والإضافة هنا أقوى في الدلالة لأنها تضيف حمزة إلى جميع العرب في الماضي والحاضر والمستقبل أي بنسبتهم هم إليه كإرث وكرمز للبطولة وللمعاني الأخلاقية والفروسية التي تختزل لتاريخ العرب قبل الإسلام هذا التاريخ الذي لا يرى فيه الفرس تحديداً أي ملمح من ملامح المجد والحضارة، والإلحاح عن كلمة (العرب) سيتضح في سباقات السيرة أنه مقصود وموضوع في إطار مقابل للفرس تحديداً، ليس في نزعة شعوب جديدة، ولكن في نزعة إحياء وتذكير ورسالة لمن يهمه الأمر. دلالات الحكاية هذه إذن حكاية أو سيرة شعبية، او هي ملحمة بمعنى من المعاني، حيث السرد يختلف عنه في الرواية أو القصة العادية، وإن كان فيه ملامح منها، فهو يحاول التحرر من الواقع، بالاعتماد على العجائب والخوارق، كما هي الحالة في حكايات ألف ليلة وليلة. والحكاية التي يرويها بشمي تختلف عن القصص العادية بأنها تكثر فيها الأحداث والمغامرات، ويتسع فيها المديان الزمني والمكاني، ومن خصائصها أيضاً هذه الجاذبية العظيمة لشخصية (حمزة العرب)، بما يمثله من معاني البطولة والمهارة والحيلة والقوة وشرف المسلك وكرم الأخلاق والوفاء، أما الإثارة الفعلية فهي متأتية من الحكمة ودلائلها الفلسفية والأخلاقية التي تبعث في القراءة دورياً يظل إلى أعماق النفوس. إن هذه الحكاية الشعبية التي هذبها ورواها إبراهيم بشمي بأسلوب مبسط ومختزل وقربها من المعايير العقلانية للحياة اليومية الواقعية للإنسان، بقيت مع ذلك حكاية خارقة للمألوف تعتمد مخيلة غرائبية بحلقها عالماً أوسع وأكبر من العالم المعروف، وتستند إلى سرد أحداث تمتزج فيها الأوصاف، والشخصيات والحوارات والخطب والنصائح، وتندرج كلها في حكاية تلقها في وحدة واضحة، وهي متطورة ومتسلسلة. ولا شك أن كل حكاية شعبية أسطورية ملحمية تتضمن في جذورها بذرات تاريخية في العلاقة بين الفرس والعرب، أضافها إليها المخيال الشعبي العديد من المعاني المتصلة بالقومية والقيم الأخلاقية والسياسية من مشاهد ومواقف في إطار ترسيخ الأحداث الفاصلة في التاريخ وتخليد ذكرى الرجال الذين كان لهم فضل في، وبذلك تنسج اللحمة التي تربط الحاضر بالماضي، وتساعد على يقظة الوعي العربي، وأظن أن فكر إبراهيم بمشي يرتبط إلى حد كبير بهذا الجانب المتصل بالوعي القومي بمعنى من المعاني، فهنالك عدد من هذه المعاني الصادقة الواضحة التي لا يمكن الغفل عنها عند قراءة هذه الرواية الشعبية الطويلة: أولاً: أن العرب، حتى قبل الإسلام، كانوا أصحاب رسالة روحية وثقافية، ففي الوقت الذي كان فيه الفرس يعبدون النار، كان الجزء الأكبر من العرب الذين يحاذون بلاد العجم توحيديين.. يريدون نقل عبادة الله إلى تلك البلاد. ثانياً: أن القيم العربية الأصيلة والأخلاقية تجعل من العربي أميناً عزوفاً عن الاطماع كارهاً للظلم، مستعداً للتضحية بروحه من أجل نجدة الآخر، حتى وإن كان كسرى أبو شروان.. فحتى عندما احتاج كسرى إلى حمزة لتحرير أرض فارس وإعادته للسلطة فإن حمزة ومن معه لم يطمع في ملكه ولا في أرضه.. ثالثاً: أن العقدة الأعجمية من العرب والعروبة أساسها الاحتقار والتعالي (الحضاري) على العرب، مع أن العرب، كما تبين هذه السيرة رغم بداوتهم، كانوا أعلى ذمة ووفاءً وأقل عدوانية. رابعاً: أن الفرس الذين دأبوا على التقليل من شأن سكان شبة الجزيرة العربية وشأن ارثهم الحضاري، يتناسون أن هؤلاء الجيران هم حملة الرسالة وهم الذين مارسوا دوراً تنويرياً بمعنى من المعاني.. ولا شك أن السيرة بكل تفاصيلها، ببذرتها التاريخية وبتفاصيلها المتخيلة ليست بعيدة عن انشغالات الكاتب إبراهيم بشمي وحساسية الحاضرية والسياسية المرتبطة بطبيعة الاشتباك الحضاري بين العرب والفرس في الماضي والحاضر، وهو اشتباك تتداخل فيه العديد من العوامل الايجابية والسلبية، وتتداخل فيه الحقائق والأوهام.. ولذلك فأنني أعتقد اعتقاداً كأنه اليقين بأن هذه السيرة وهي إحياء ورد ورسالة في ذات الوقت. كلمة أخيرة وتبقى كلمة أخيرة ذات علاقة بالأسلوب، فهذا النص الطويل الشيق امتلك خاصية أسلوبيه جذابة جمع فيها إبراهيم بشمي بين القدرة على الحكي اللطيف الشوق، وبين اللغة الواضحة السهلة السلسة. فقد جمعت هذه السيرة بين أشتات وأنواع من القصص من خيط حكاية.. إطار ينتظمها، كما أن النص يدور في مجملة حول فعل القص نفسه والقوة الكامنة في الكلام.. ولا شك أن السلاسة الأسلوبية ومرونة البيان اللتين تفتحان على اللامحدود من الإمكانيات قد أعطتا لهذا النص قوة حقيقية هي في جزء منها قوة النص الشعبي وبساطته ولا محدودية الخيال فيه. إنها باختصار تجربة جديرة بالإشارة والاحترام لأنها تحاول إحياء ذلك النمط من الكتابة الذي أعتقد الكثيرون بأنه انتهى، ولكن بمضامين ورؤى جديدة وإسقاطات مؤكدة.
مشاركة :