تحاصرك أحياناً لحظات قاسية.. تدفعك حيناً لمحاكاة الأشياء الجامدة.. وحيناً آخر لاستكشافها داخل ظل فارغ، تعبت زمناً طويلاً من ملاحقته.. في خضم ذلك الحصار الذي يبدو أنه قد صنع لك هوية ما أنت فيه تكتشف أنك لست حراً لتكسر حدته.. ولست حراً لتكون بمعزل عن سطوته.. تنصهر فيه عاجزاً عن ملامسة الخيارات الأخرى والتي وإن وجدت إلاّ أنها محدودة.. ولا تسمح بتلك الحركة التي اعتدتها.. ودعت بعض القلق.. وكنت تعرف نفسك القلق الصامت.. وورثته من نفسك.. لم يورثه لك أحد.. ولم يحرضك عليه أحدهم.. قلقك ظل دائماً نبتة تنمو أمام زمن ظالم، وأيام موجعة.. حاولت قص وانتزاع تفاصيله.. وعدم السماح له بأن يتمدد في كل المسافات.. لكن هذه المحاولات ظلت ملتبسة.. ومتوقفة على التعاطي معها بمنطق قدرتك على الانعتاق من سلاسل القلق الواقعية، والتي تشعرك كلما حاولت الابتعاد عنها أنها امتداد طبيعي لعالمك الذي اقتربت منه وتعمدت أن تتعاطى معه بمنطق البقاء والخلود.. لست حُراً لتعيش القلق، ولحظاتك العصيبة بخصوصية وباستكان يدفعك التفكير الهادئ، وممارسة حقك في الوصول إلى ذلك الطريق المؤدي إما للعودة إلى النفق، أو الخروج منه.. لست حراً وانت تقنع نفسك بالضرورات.. وذلك الوضع المتأزم.. وطبيعة البشر التي لا تتغير.. وتلك العواصف التي تأتيك دون ان تستعد لها على الأقل لتغير اتجاهك.. وتهرب منها قبل أن تداهمك وتهدم كل ما حولك.. لست حراً وأنت محاصر بمن حولك كطبيعة أسرية، أو عائلية أو حتى مجتمعية، محاصر بالجغرافيا ومداها.. حصار قلق يبدد مهمة التخلص من هوية ما أنت فيه.. تستطيع أن تعبر من مفاصل التاريخ إما برفع الحواجز، أو خلق عالم افتراضي لا وجود له إلاّ في ذهنك.. وأن تتمازج عفوياً معها داخل زمن مطلق تخترعه لتشكل حكاية مرتبطة بتكوين الهروب والمغادرة.. في الجغرافيا يظل الوعي مرتبطاً بالهوية.. وليس من الضروري أن تركن إلى حالة اللاوعي، فالمسألة هي إحساس بالمكان حتى وإن حاولت أن تعتبر الإقامة مسألة وضعية. أنت داخل الجغرافيا بتفاصيلها.. هي ليست خياراً مفتوحاً.. وليست موضع نقاش، هي النقطة المرجعية، وقد تتحول أنت دون أن تعرف تلك النقطة.. في إطار توغلك فيما أنت فيه.. تختفي كل بوادر الخروج من الأزمة.. وأنت لا تزال صامدا.. تكافح للانقضاض حتى على اللحظة التي توشك أن تنهار لتقذف بك إلى أمكنة تختفي فيها آفاق السلم.. ولن تستند داخلها إلاّ إلى مزيد من الاستمتاع بكل ما هو حزين ومؤلم.. ولن تكتفي بما أنت فيه بل ستفقد مناعتك الإنسانية، وستغرق في كل ما هو مغموس في التعجب والاستفهام.. وستكتفي بتلك المسافة التي تتيح لك أن تتوقف على الاستمتاع بالأفق المسدود، والإصغاء إلى مفهومك الذي أعدته لا نفع من التساؤل؟ ولا قيمة لإحصاء الخسائر..
مشاركة :