فنانو الستريت آرت يواجهون الوباء بالغرافيتي الناقد والساخر

  • 5/11/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم يتخلف فنانو الشارع في العالم عن مواكبة تداعيات فايروس كورونا المستجد، منهم من استعمل جدارياته لتوعية الناس وتحذيرهم، ومنهم من جعلها وسيلة لإدانة قادة العالم الذين لم يحرّكوا ساكنا لحماية البيئة، ومنهم من رصد مداخيل أعماله لمساعدة الطّواقم الصحيّة. في أماكن كثيرة من العالم، خرج فنانو الشارع ليكتسحوا الجدران والأماكن المهجورة بأعمال الغرافيتي، ويعبّروا كعادتهم عن موقفهم من حدث الساعة، جائحة كورونا. بعضهم أدى ذلك قبل الحجر الصّحي، وبعضهم الآخر أنجز لوحاته في سطوح المباني أو في شوارع خالية من المارة، تجنّبا للعدوى. ولئن اختلفت الأساليب والوسائل المستخدمة، فإن الفنانين جميعا التقوا حول ثيمة واحدة. الألماني فايك المقيم بأمستردام جعل لوحته “الممرضة السوبر” أنشودة مهداة إلى الطواقم الصحية في العالم؛ والنرويجي بوبل أراد من خلال لوحته “عشّاق” أن يقدّم مساهمة إيجابية لنشر الفرح في نفوس البشر جميعا، ويوصي الناس بمساعدة بعضهم بعضا في هذا الظرف الحرج. وأراد الإيطالي نيلّو بيتروتشي بلوحته “سويت هوم”، التي تُظهر عائلة سيمسون جالسة أمام التلفاز، أن ينصح الناس بالبقاء في البيت حتى مرور الزوبعة، فيما ركزت لوحة الأميركي هايجاك على المتطوّعين لتعقيم الشوارع في جنح الظلام، وهو ما عنته المجموعة السينغالية “أر بي أس كرو” في لوحة “ضدّ الفايروس” بوضع بخاخات ألوان في خدمة مكافحة كورونا، إضافة إلى لوحات تحسيسية أخرى تصدّرت جدران أحياء داكار. أما الأميركي داريون فليمنغ فقد جعل من الجل المطهّر للوقاية من الفايروس لوحة إعلان إشهاري كتب عليها “جديد! لا يوجد في أي مكان”، وعلّق على ذلك في حسابه على إنستغرام بقوله “أرجو أن تروّح هذه اللوحةُ المازحةُ الأنفسَ الحائرة أمام انتشار الفايروس. ابقوا في بيوتكم، ولا تفزعوا”، وهو ما ذهب إليه الهندي تايلر في لوحة كتب عليها “حافظ على هدوئك”. كذلك الشأن في بعض الأقطار العربية حيث أنجز الفنان السوري عزيز الأسمر رسومات “غرافيتي” تحاكي كورونا على جدران إدلب المدمّرة، تعمّد فيها اختيار البيوت والمدارس المهدّمة لتبليغ رسالة عمّا كانت تحوي من حياة نابضة، وتوجيه رسومات لتوعية الناس وحضّهم على الوقاية، وتظهر إحدى رسوماته الفايروس وهو يعضّ بأسنانه قائلا “سوريا ليست آمنة”. وحصل ذلك أيضا في بعض البلدان الإسلامية على غرار إندونيسيا، حيث قامت مجموعة اتحاد جداريّي سورابيا برسم جدارية ضخمة عنوانها “خصوم كورونا” يبدو على يسارها وزير الصحة وبجانبه امرأة تحمل كمائم وقاية، وعلى اليمين طبيب في بذلة وقائية يمسك بمنظار يراقب بواسطته وضع البلاد تحت الجائحة. أغلب اللوحات كانت تحثّ على الوقاية، سواء باستعمال الكمائم والقفازات والجلّ المطهّر، أو بالتباعد الاجتماعي، وحتى الجسديّ داخل البيوت، أو تعبّر عن تضامنها مع الطاقم الصّحّي. وإذا كانت تلك الأعمال في عمومها منذورة للزوال، كما حدث في مدينة نانت الفرنسية، فإن أعمالا أخرى تحوّلت إلى أيقونة. من ذلك مثلا لوحة الإيطالي فرانكو ريفولّي، وهي عبارة عن استعارة تمثل طبيبة على وجهها كمامة وهي تهدهد إيطاليا محمومة وملفوفة في العلم الوطني، وتبدو الطبيبة ذات جناحين كملاك يرعى المرضى المصابين بكوفيد – 19. هذه اللوحة نزّلها صاحبها على المواقع الاجتماعية، ولما حظيت بإعجاب جمهور عريض من مستخدمي الشبكة، تمكن مستشفى يوحنا 23 في بيرغامو بمقاطعة لومبارديا، المدينة التي أصابها الفايروس بشكل فظيع، من الحصول على ترخيص من الفنان لتحويلها إلى جدارية عملاقة تتصدّر واجهة المستشفى، تحية لكافة أعضاء الطاقم الصحي على اختلاف رتبهم وتخصصاتهم، وتقديرا للجهود التي يبذلونها لعلاج المصابين. أما الدومنيكية إيمي فريثنكر فقد رسمت في بارك ماور، موطن الفن المديني، لوحة استوحت شخصيتها من غولوم أحد أبطال توكيان في “هوبيت” و”سيّد الخواتم”، ويبدو متأملا غنيمة كتب عليها بالألمانية “أنفس شيء لديّ”. وما الغنيمة في الواقع سوى لفائف من الورق الصّحي الذي تهافت عليه الناس في شتى المتاجر الغربية، وفي ذلك نقد لاندفاع الناس إلى تخزين المواد والبضائع وكأن الحرب على الأبواب. أغلب اللوحات تحثّ على الوقاية، سواء باستعمال الكمائم والقفازات والجلّ المطهّر، أو بالتباعد الاجتماعي غير أن بعض فناني الستريت آرت اتخذ عمله الفني وسيلة لانتقاد موقف السياسيين من الجائحة، فالإيطالي المقيم ببرشلونة “تي في بوي” استمدّ مقولة للعم توم من رواية الأميركية هارييت بيتشر ستاو: “لنبق متّحدين، فإن تفرقّنا سقطنا” ليحوّلها إلى شعار مضادّ: “لنبق متفرّقين، فإذا توحّدنا سقطنا”، في تأكيد على ضرورة التباعد الاجتماعي لتوقي العدوى. وصرّح أنه ينتقد في هذه اللوحة موقف دونالد ترامب الذي دعا إلى العكس. كذلك البرازيلي إيرا أوكريسبو، الذي رسم كاريكاتير للرئيس بولسونارو بأنف أحمر كأنوف المهرجين، وكتب تدوينة على حسابه في إنستغرام يقول فيها “كذّاب، سيكوباتي، ثقيل الدمّ، دنيء، نذل…” مضيفا “تخيروا ما لديكم من نعوت أبشع تصمون بها هذا الوغد”. جاء ذلك بعد ندوة صحافية قلّل فيها الرئيس البرازيلي من خطر الفايروس، وبدا أمام الحضور بكمامة ما انفك يزيلها ويعيدها مرارا وتكرارا قبل أن يخلعها ويتركها معلّقة على أذنيه. أما في فرنسا فقد قامت جمعية “سيكيم لمنسقي المغامرات” بتنظيم “مهرجان فنّ مديني تحت الحجر” منذ أواسط شهر مارس المنقضي، دعت إليه نحو مئة وخمسين فنان ستريت آرت إلى إعداد أعمال يتم بيعها على الشبكة لمساندة المستشفيات في مواجهة تكاليف الأجهزة والمعدات. وقد حصلت الجمعية حتى الآن على ما يقارب الأربعين ألف يورو. ومن الطبيعي أن تتركز الأعمال كلها على موضوع الساعة، فتبدو إحدى الممرضات في هيئة ملاكم يواجه الفايروس، ويبدو الإنسان كسمكة في بوقال، وتبدو الكرة الأرضية مكمّمة، تحوم حولها غربان تنذر بالشؤم، وخطاطيف تبشّر بالأمل.

مشاركة :