تبذل السلطات الكويتية جهودا استثنائية لمحاصرة وباء كورونا، وعينها على التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضها الوباء، وجاءت مضاعفاتها نتيجة مباشرة للتأخّر في عملية الإصلاح المطلوبة منذ سنوات، وعلى رأسها تنويع مصادر الدخل والحدّ من الارتهان لعوائد النفط، ومعالجة الخلل الكبير في سوق الشغل الغارق بعدد هائل من العمال الوافدين بينهم كثيرون يمارسون أنشطة هامشية لا تتطلب كفاءة خاصّة تستدعي الاستنجاد بعمال من الخارج. وطالت الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الكويتي جراء وباء كورونا قطاع النفط لكنّها مسّت الكثير من القطاعت الأخرى، حيث توقّفت الرحلات الجوية التجارية لأكثر من شهرين وأُغلق القطاع الخاص واقتصر الأمر على الأعمال الحكومية التي يمكن ممارستها عن بعد. وفي ضوء هذه الضربة المزدوجة والركود الاقتصادي العالمي، قام صندوق النقد الدولي بمراجعة توقعاته للكويت مع توقع انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي للكويت إلى 1.1 في المئة في عام 2020 مع وجود آمال في ارتفاعه مجدّدا في عام 2021. وتلازم الطبقةَ السياسيةَ في الكويت منذ سنوات فكرةُ حتمية الإصلاح دون أن يتمّ الشروع في ذلك بشكل عملي نتيجة نوع من الاتكالية على البحبوحة المالية المتحقّقة بفعل الأسعار الجيدة للنفط، وأيضا بفعل صراعات سياسية جلّها بين الحكومات والبرلمانات المتعاقبة والتي تؤثر بشكل واضح على اتخاذ القرارات وسنّ التشريعات خصوصا إذا كانت تمس بمصالح وامتيازات جهات بعينها. غرق سوق العمل في الكويت بالوافدين أصبح عقبة أمام التنويع الاقتصادي وأشاع حالة من رهاب الأجانب وتعبيرا عن الوعي بضرورة الإصلاح قال أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد مؤخّرا إنّ بلاده تواجه تحديا كبيرا وغير مسبوق يتمثل في الحفاظ على سلامة ومتانة اقتصادها من الهزات، مضيفا “دعوت في العديد من المناسبات إلى تركيز جهودنا لبناء اقتصاد مستقر ومستدام أساسه الإنسان مستغلين ثرواتنا الطبيعية التي حبانا الله بها. كما وجهت إلى مراجعة منهج ونمط حياتنا اليومية وترشيد استغلال مواردنا وتقليل الاعتماد على الغير في أعمالنا”. ويقول صندوق النقد الدولي إنّ لدى الكويت احتياطيات مالية كبيرة وديون منخفضة “لكن نافذة الفرصة لمواجهة تحدياتها من موقع قوة تضيق”. وتدور هذه التحديات بشكل أساسي حول تنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على عائدات النفط. وأشار الصندوق إلى إمكانية دعم القطاع الخاص بتنفيذ ضريبة القيمة المضافة المقرر فرضها في أبريل 2021 وإلغاء الدعم الحكومي في العديد من القطاعات، كخطوة يتعين على الكويت اتخاذها بحماس. لكن إحدى النتائج غير المتوقعة لوباء كورونا الذي قد يعطل التنويع الاقتصادي، هو الرحيل المفاجئ للملايين من العمال المهاجرين. ويشكّل الوافدون نحو 70 في المئة من سكان الكويت البالغ عددهم 4.3 مليون نسمة. وقد فقد الكثير منهم وظائفهم وأجورهم وباتوا يعيشون على الصدقات. وفي ظروف السكن الصعبة التي يعيشها معظم المهاجرين وجد فايروس كورونا بيئة خصبة للانتشار. وبدلا من محاولة تحسين الظروف، كان رد الحكومة الكويتية هو التخلص من المهاجرين. وكانت إحدى الطرق للقيام بذلك إصدار عفو يسمح للعمال غير الموثقين بالمغادرة دون غرامات. لكن المبادرة كانت متسرّعة ومدفوعة برهاب الأجانب الذي تحول إلى ظاهرة في الكويت خلال السنوات الأخيرة. وكانت النتيجة العكسية لذلك الإجراء تقدم عدة آلاف من البنغلاديشيين الراغبين في المغادرة دون أن يتمكنوا من ذلك بسبب توقّف الرحلات الجوية، فتمّ اللجوء إلى حبسهم في مخيمات في ظروف مزرية جعلت منهم فريسة سهلة لفايروس كورونا.
مشاركة :