كورونا والاقتصاد يعاندان عمان في بداية مسار إصلاحي جديد | | صحيفة العرب

  • 6/13/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

سلطنة عمان التي تركّز جهودها في الوقت الحالي على عملية إنقاذ عاجلة للاقتصاد وحماية المجتمع من تقلّباته الحادّة، أملا في تجاوز جائحة كورونا بأخف الأضرار، ستكون أمام عملية إصلاح ضرورية يقودها السلطان هيثم بن طارق بما يمتلكه من خبرة طويلة بالعمل الحكومي ودراية واسعة وعميقة بأجهزة الدولة ومواطن الخلل فيها. مسقط - اضطرّت سلطنة عمان إلى تمديد حالة الإغلاق التي فرضتها على مناطقها وتأجيل إعادة فتح بعض الأنشطة الاقتصادية الحيوية المتوقفة ضمن إجراءات مواجهة فايروس كورونا، وذلك في مظهر على الصعوبات التي يواجهها البلد في التخلّص من الوضع الصعب الذي فرضه عليه الوباء. ويبدأ السبت تنفيذ قرار إغلاق ولاية الدقم الواقعة بوسط البلاد والتي تضم بعض أهم المؤسسات الصناعية والمعالم السياحية، وهو قرار اتّخذ إثر تزايد عدد الإصابات بفايروس كورونا في السلطنة، على أن يستمرّ الإغلاق حتى الثالث من يوليو القادم. وجاء ذلك بعد أن أعلنت الحكومة العمانية في وقت سابق قرارها إغلاق أربع مناطق سياحية أخرى هي محافظة ظفار وولايات مصيرة والجبل الأخضر وجبل شمس. كما قرّرت أيضا تأجيل السماح بتسيير رحلات الطيران الداخلية والدولية. ومن جهتها أعلنت وزارة الصحة العمانية، الجمعة، عن تسجيل 1067 إصابة جديدة بفايروس كورونا ليصبح العدد الجملي للحالات المسجلة في السلطنة 19954 بالإضافة إلى 89 حالة وفاة. وفرضت جائحة كورونا تداعيات استثنائية على السلطنة في مستهلّ مسار جديد للإصلاح مرتبط بمجيء السلطان هيثم بن طارق الذي كشف منذ الأيام الأولى لوجوده على رأس هرم السلطة، خلفا للسلطان الرّاحل قابوس بن سعيد، عن توّجه نحو التخلّص من البطء والتكلّس في أجهزة الدولة وإزالة العوائق التي أخّرت الإصلاح الاقتصادي الذي كان مطلوبا بشدّة منذ سنوات وجاءت الظروف الحالية لتثبت أنّه ضرورة ملحّة وليس مجرّد ترف. وكان سلطان عمان الجديد قد وضع الاقتصاد ضمن أولويات برنامجه الإصلاحي، قائلا في خطاب له إثر توليه زمام الحكم ببلاده في يناير الماضي، إنّ عمان على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها، واعدا بإنجاز تغييرات تطول الإدارة، والاقتصاد، كما تمسّ قطاع التعليم كإحدى أولويات الدولة في عهده. وأصدر السلطان هيثم في وقت سابق من الشهر الجاري مرسوما سلطانيا أنشأ بموجبه جهازا للاستثمار يتولى تملّك وإدارة معظم صناديق الثروة السيادية وأصول وزارة المالية، باستثناء شركة تنمية نفط عمان وحصص الحكومة في مؤسسات دولية. وورد بالمرسوم أن جهاز الاستثمار سيحل أيضا محل صناديق الثروة السيادية في الوثائق الرسمية للبلاد. وأظهرت بيانات من المجموعة البحثية “معهد صندوق الثروة السيادية” أن صندوق الاحتياطي العام للدولة العمانية وهو أكبر صندوق سيادي في البلاد، لديه أصول بحوالي 14 مليار دولار، في حين أن ثاني أكبر صناديق السلطنة، الصندوق العماني للاستثمار، لديه 3.4 مليار دولار. وقال معهد التمويل الدولي إن عمان تبدو وكأنها “نقطة ضعيفة على نحو متزايد بالمنطقة في ضوء تنامي ديونها”، مضيفا أن السلطنة قد تشهد انكماشا اقتصاديا بنسبة 5.3 في المئة هذا العام، بينما قد يرتفع عجزها إلى 16.1 في المئة من 9.4 في المئة في 2019. بإمكان عمان الاستفادة من التغيير الذي حدث على رأس هرم السلطة وتحويل تحديات كورونا إلى محرّك لتسريع الإصلاح وقال المرسوم السلطاني إنه من المقرر أن يختار السلطان هيثم أعضاء مجلس إدارة جهاز الاستثمار العماني، مضيفا أن جميع موظفي صندوقي السلطنة السياديين سيُنقلون إلى الكيان الجديد. ويشدّد السلطان هيثم بن طارق على تبني نظم وسياسات عمل جديدة تمنح الحكومة المرونة اللاّزمة والقدرة على تحقيق الاستفادة من الخبرات والكفاءات الوطنية. ولم يستثن الإشارة إلى حاجة الاقتصاد العماني إلى دماء جديدة بإجراء مراجعة لأعمال الشركات الحكومية لرفع كفاءتها وزيادة مساهمتها في المنظومة الاقتصادية. ووعد بمراجعة نظم التوظيف في القطاع الحكومي، وتبني سياسات جديدة لدعم الحكومة للاستفادة من الموارد البشرية واستيعاب أكبر قدر من الشباب. وقال إنّه سيحرص على توجيه الموارد المالية للدولة التوجيه الأمثل بما يضمن خفض المديونية وزيادة الدخل. ويقول المختصّون بشؤون الاقتصاد، إنّ تحدّيات اللحظة الراهنة رسّخت فكرة إدخال إصلاحات عميقة على الاقتصاد العماني الذي أظهر خلال السنوات الماضية نوعا من الهشاشة تجلّت بالخصوص في تأثره بتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، ما يحتّم الحاجة إلى تنويع موارده والتقليل من اعتماده على النفط، خصوصا وأن السلطنة تمتلك المقومات اللاّزمة لذلك ومن ضمنها موقعها الجغرافي وبناها التحتية المناسبة لتنشيط الحركة التجارية فضلا عن امتلاكها مقوّمات قطاع سياحي قوي. وارتفعت نسبة الدين العماني، المصنف بأنه عالي المخاطر من جميع وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث، إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 60 في المئة العام الماضي من حوالي 15 في المئة في 2015، وربما تصل إلى 70 في المئة بحلول 2022 بحسب ستاندرد آند بورز جلوبال. ويقول متابعون للشأن العماني إنّ دقّة الظرف المالي والاقتصادي في السلطنة جعلت من جهود الدولة تنحو منحى الإنقاذ العاجل بإجراءات استثنائية للتقليل من الإنفاق والحدّ من هدر المال العام، وتوجيه موارد الدولة التي تناقصت بشكل كبير بفعل تراجع أسعار النفط وركود القطاع السياحي وغيره من الأنشطة الاقتصادية والتجارية، نحو توفير الضرورات والحفاظ على التوازنات الاجتماعية وذلك تحت عنوان تجاوز الفترة الصعبة بأقل الأضرار. ويرى هؤلاء أنّ إطلاق عملية إصلاحية أشمل تتضمّن تغييرات اقتصادية جذرية بكل ما ستتطلّبه من تضحيات اجتماعية، ستكون في الظرف الحالي بمثابة عملية قيصرية تتناقض مع سياسة الدولة العمانية القائمة على التدرّج وتجنّب الصدمات. وبالنظر إلى الدور المحوري الذي يقوم به السلطان في الدولة العمانية، يؤكّد المراقبون إمكانية أن تستفيد سلطنة عمان من التغيير الذي حدث الشتاء الماضي على رأس هرم السلطة وتحويل التحديات التي فرضتها عليها الجائحة إلى أساس للإصلاح ومحرّك لتسريعه، خصوصا في ظلّ توفّر الإرادة السياسية التي يمثّلها السلطان هيثم بن طارق الذي ستكون تجربته الثرية في العمل ضمن هياكل الدولة وخبرته الطويلة بمؤسّساتها ومعرفته بمواطن الخلل فيها، نقاط قوّة للعملية الإصلاحية الحتمية.

مشاركة :