جسّد الفنان المصري خالد الصاوي في مسلسل "ليالينا 80" شخصية مدرس الفلسفة الجامعي المرموق الذي تجبره ظروف الحياة القاسية على الانعزال القسري ومواجهة مرضه النفسي الذي يعاني منه عقب وفاة زوجته وحبيبته نتيجة حادث سير، ما يدفعه إلى التقاعد المبكّر بقرار من الجامعة لعدم أهليته للتدريس، وانعكس ذلك على انسحابه المفاجئ من الحياة، ما ضخّم وحدته وانغمس بشكل أكبر في الخيال مع زوجته الراحلة والتي تظل تشاركه تفاصيل حياته ويومياته. القاهرة - عاد الفنان المصري خالد الصاوي إلى ساحة الدراما بعد غياب دام ثلاثة مواسم متتالية، غير أنه دشّن عودته بشخصية معقدة في مسلسل “ليالينا 80” الذي عرض في رمضان الماضي، وبرع في تقديمها مرتكزا في ذلك على أداء متقن ومهارة نادرة، نال عليها إشادة النقاد والجمهور، واستطاع أن يجذب الأنظار إلى أستاذ الفلسفة جلال أرسطو الذي يتأرجح بين الماضي والحاضر، ويعشق الحياة ويضمّد جراح زوجته التي فارقته وحيدا في الحياة. وقال الصاوي في حواره مع “العرب”، إن شخصيته كانت مركّبة وجمعت بين الجنون والعقل، وأنه مرّ بالحالة الأولى نتيجة وفاة زوجته التي يحبها ولم يستطع تخيل الحياة من دونها ما أفقده توازنه حتى ظل يتحدّث معها طوال اليوم كأنها مازالت تعيش معه، ما جعل من حوله يعتقدون أنه مصاب بالجنون فعليا، خاصة أنه رفض العلاج الذي يؤثّر فيه فلا يراها. وأضاف أن الحالة الثانية التي تنتابه حين يتلبّسه شخص كامل العقل ويقدّم النصائح والعظات لأخيه الأصغر هشام، الذي جسّد شخصيته الفنان الأردني إياد نصار، المتذبذب في حياته مع زوجته (الفنانة غادة عادل) وابنته (الفنانة الشابة رنا رئيس) والتي تصاب بالعمى بسبب حادث، ويقوم بالاقتراب منها بحكمة بالغة نابعة من عشق الفلسفة الذي أبحر في علومها طوال حياته. جلال أرسطو الإنسان يميل الصاوي إلى تمثيل الأدوار الفلسفية والسياسية، النابعة من تعدّد مواهبه، وقدرته على استيعاب الكثير من المعارف، والنجاح في بلورتها أمام الشاشة، وهو يحرص على انتقاء أدواره بدقة، الأمر الذي مكنه من تقدّم الصفوف سريعا، ويفضي على أعماله قدرا من الرصانة الفكرية حتى لو كان العمل يعالج قضية هزلية، فهو ينجح في بلورتها ووضعها في قالب جاد. وأوضح الفنان المصري أن الشخصية استغرقت منه وقتا طويلا كي يتكيّف معها، وأن جلال مرّ بأكثر من مرحلة، ففي البداية جسّد قناعاته بالأخلاق والفضيلة والحب والخير والحق والجمال، وهو ما يمكن تسميتها بالمرحلة “السقراطية”، قبل أن يتعرّض لصدمة ليدخل في المرحلة “الأفلاطونية”، ويبحر فيها بالخيال والمدينة الفاضلة، ثم يُصدم ثانيا، ووجد في أرسطو العقل، لكنه تعرّض لصدمات أكثر، ليترك نفسه على طبيعتها بعدما اكتملت معالم شخصيته وأصبح جلال أرسطو الشهير. الصاوي يميل إلى تمثيل الأدوار الفلسفية النابعة من قدرته على استيعاب المعارف، والنجاح في بلورتها أمام الشاشة وأشار الصاوي لـ“العرب” إلى أن أستاذ الفلسفة مرّ بكل هذه المراحل على مدار حياته وأضحت لديه قدرة فائقة على الإحساس، قبل أن تحدث نقلة كبيرة جراء وفاة زوجته، أخرجته من مرحلة العقل تحت تأثير الحضارة الأوروبية القائمة على العلم، ثم بدأ الحنين إلى جذوره بمنطقة باب الشعرية الشعبية بوسط القاهرة، والميل إلى أسلوب الحياة المصرية التي تقوى فيها العاطفة، ورسّخ هذا أكثر في وجود نموذج في حياته، زوجته حب حياته الكبير، ولم يصدّق وفاتها، وكان يحدث له نوع من الإنكار كرد على الحياة. وفسّر الفنان المصري الجملة التي انتشرت على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، حينما قال لشقيقه “أنا لست إنسانا مريضا أنا إنسان وحيد”، بالحرص على تفصيل العالم على مقاسه وعاش فيه متصوّرا أنه شخص متّزن قبل أن يبدأ في حرق شقته، وهنا انتبه إلى أنه لا بد أن يخرج من هذه الحالة العبثية. وتابع قائلا “إن جلال وجد المنّة من الله عند إصابته في عقله الذي يعدّ بمثابة أهم ما يملكه، وإصابة ابنة شقيقه بالعمى وفقدانها أهم ما يملكه أي شخص، وأنهما قاما بمساندة بعضهما البعض ما جعل هناك معنى جديدا للحياة له ولها وللمواطنين الذين لا بد أن يبحثوا عن تحقيق أهداف سامية لهم وللمجتمع”. وأوضح الصاوي أن شخصية جلال مثالية، لكنها موجودة في الحياة، وفي المقابل هي شخصية قوية تستمّد ذلك من ندرتها وقلتها باعتبارها استثنائية بالأساس، وهو ما يمكن أن نطلق عليه شخص نادر الوجود، لكن لا يمكن وصفه بالشاذ أو الغريب، فهو يجمع بين الرومانسية والإخلاص والرجولة. وعد واعتذار الجمهور والنقاد رأوا أن زيادة وزن خالد الصاوي في مسلسل "ليالينا 80" مسألة أضافت إليه، في حين يعترف الممثل أنها لم تكن مقصودة الجمهور والنقاد رأوا أن زيادة وزن خالد الصاوي في مسلسل "ليالينا 80" مسألة أضافت إليه، في حين يعترف الممثل أنها لم تكن مقصودة أكّد خالد الصاوي أن شخصية جلال أرسطو تستهدف التأكيد على أن الرجل أو المرأة قد يرتكب كل منهما جرائم بحقّ الآخر في الحياة الزوجية بعيدا عن الخيانة، حينما يكونا غير قادرين على الإبداع والتجديد في الحياة، وهي أشياء تعدّ بمثابة مولد أساسي لشرارة الحب بينهما. ورأى الجمهور والنقاد أن زيادة وزن خالد الصاوي في هذا العمل مسألة أضافت إليه، غير أنها لم تكن مقصودة، ويرجع ذلك إلى معاناته من بعض المشاكل الفترة الماضية، وعدم الالتزام بالنظام الصحي الذي نصحه به أحد الأطباء لإنقاص وزنه. ووجّه الصاوي اعتذارا لجمهوره عن هذه الأخطاء، معتبرا أن الفنان لا بد أن يكون في أحسن صورة، وأنه بدأ حياة صحية جديدة منذ انتهاء تصوير العمل للتأهيل النفسي والبدني، وفي والوقت ذاته أعرب عن سعادته بردود الأفعال الإيجابية التي تلقاها عن العمل. وعمّا تردّد بوجود أجزاء جديدة من العمل وهما “ليالينا 90” و“ليالينا 2000” على التوالي، قال الصاوي إنه لم يتمّ الاتفاق معه من قبل الجهة المنتجة للعمل على ذلك، وعندما تأتي هذه الخطوة سيكون أول المشاركين، لثقته في الشركة المنتجة وحرصها على وجوده، وهي التي فتحت له آفاقا جديدة للعمل، وكان من المقرّر أن يقدّم في موسم رمضان المنتهي مسلسل “القاهرة كابول”، لكنه جرى تأجيله للعام المقبل، بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذت لمواجهة فايروس كورونا. وعلى مدار تاريخه الفني، قدّم الصاوي ما يزيد على 43 فيلما سينمائيا، أبرزها “عمارة يعقوبيان”، “ميكانو”، “أدرينالين”، “الفيل الأزرق”، “الفرح”، “الأصليين” و“صندوق الدنيا”، وشارك في 21 مسلسلا، أبرزها “قانون المراغي”، “أهل كايرو”، “الصعلوك”، “خاتم سليمان” و”هي ودافشني”. واعترف الصاوي أن شخصية جلال أرسطو بها وجه شبه قريب منه، وأبعاد أخرى متعارضة، وهو ما يحرص عليه في جميع الأعمال التي يقدّمها، ويتقارب مع جلال في الخيال والرغبة في التأثير والمقاومة، وهذه أشياء أحبها الممثل المصري فيه. وأقرّ الفنان المصري خالد الصاوي بقوة المنافسة في موسم رمضان الماضي، حيث قدمت عدة أعمال وطنية مهمة، ما يبرهن على أن الدراما التلفزيونية في تقدّم دائم، وسوف تزدهر باستمرار، وأن مواصلة الإنتاج الدرامي على مدار العام تصبّ في صالح تطوير الدراما التي بحاجة إلى المزيد من الجهد والعمل للارتقاء بها كي تستعيد الريادة الفنية.
مشاركة :