ندين الجريمة الإرهابية التي حدثت في مسجد الإمام الصادق بدولة الكويت الحبيبة، ونعزي أهلنا وشعبنا الغالي في هذه الفاجعة الأليمة، ولقد أثبت النظام والشعب الكويتي أنه عند الأزمات والشدائد مثال يُحتذى به في الوحدة، وتدفعنا هذه الجريمة التي اقترفتها أيادٍ أثيمة إلى ضرورة مراجعة الذات. الشعوب والأنظمة كل له دوره وعليه مسؤولياته، فبعد جريمة القطيف كتبت مقال (الجريمة النكراء) أشرت فيه إلى دور الأنظمة في محاربة الطائفية، بتغيير الخطاب الديني والتربوي والإعلامي. لكن أيضا على الشعب وقياداته خاصة مراجعة نفسها، ومواجهة الذات ونقدها، وضرورة تحليل الواقع والأسباب والنتائج ومعرفة مكمن الأخطاء. الاعتراف أولاً بوجود متطرفين من الطائفتين، بل وغلو في التطرف، بسبب بعض رجال الدين ممن ينتهزون المنابر لبث سمومهم، علينا فتح المساجد للصلاة فقط ولا داعي لاعتلاء المنابر للحشد الطائفي، فأغلب الخطباء بحاجة إلى تأهيل. الاعتراف بوجود الانتهازيين والاستغلاليين، خاصة في من يتلبس بلباس الدين، الذين يرون في الدين أسهل طريقة للثراء، ودائما أتساءل: لماذا يتزعم رجال الدين بعض الأحزاب السياسية؟ ألا تكفيهم مهمة واحدة؟ فرجل الدين يبقى في موقعه الرفيع يأمر بالمعروف، ويدعو إلى تعاليم الدين التي تحث على التسامح والمحبة، لا أن يصبح زعيم تنظيم أو حزب سياسي، ليصطبغ ذلك الحزب بصبغة مذهب رجل الدين هذا أو ذاك، رجل الدين حاله كحال كل المواطنين يعبر عن رأيه ويمارس دوره بالتقريب بين المذاهب، وعلى الدولة أن تسن قوانين تمنع تزعم رجال الدين للأحزاب، ونشكر ملك المغرب على قراره. وعلينا الاعتراف بوجود حملات طائفية إعلامية منظمة في وسائل التواصل الاجتماعي يشنها كل طرف ضد الآخر، وربما تكون خلفها أجهزة مخابراتية، لذا لابد من تشكيل فريق إعلامي وطني لتكثيف الرسائل الإيجابية التي تحارب الطائفية البغيضة. وعلينا التركيز على الحاضر والمستقبل، لأن هناك من يستمتع بتقمص الماضي واجترار الأحزان وتكريس الخلاف بين المسلمين، ويكفي أننا سنوياً نعيد ونكرر ما حدث قبل أكثر من 1400 سنة وكأنه يحدث الآن، فلماذا لا نتوحد في إحياء الجانب المشرق في ماضينا كحال الشعوب الأخرى؟، لماذا لا نحتفل سوياً بالمناسبات العظمى؟ مثل ولادة النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، والهجرة النبوية، والاحتفاء بانتصاراتنا التاريخية. وعلينا الاعتراف بوجود نهج وسلوك وتفكير خطأ عند الطائفتين، والضحايا في الوطن العربي من الطرفين ممن قدموا أرواحهم في سبيل مبادئهم وحرية أوطانهم. على كل فرد فينا أن يبدأ من ذاته، لينقيها من الشوائب العالقة بها، فالطائفية كانت كامنة طوال عقود، لكنها ظهرت من كمونها إلى العلن وبشكل قبيح مع أزمة العام 2011 في البحرين، وفي العراق بعد أن وطئ الجيش الأميركي أرضه عام 2003، وفي سورية قبل أربع سنوات، وفي اليمن قبل خمسة أشهر. الطائفية كمرض السرطان، يكمن ويخرج دفعة واحدة ليغزو الجسد كله، وآنذاك لا فائدة من العلاج. الشعوب والأنظمة، كل له دوره وعليه مسؤوليات، والنظام الوطني الحق هو من يطبق القانون على الجميع سواسية، لا لمحاباة طرف على حساب الآخر، ولا للتمييز في الحقوق والواجبات. والاستبداد هو المسبب الأول لاستشراء الطائفية والقبلية، فحينما يكون المواطن ضعيفا لا ينصفه القانون ولا الدولة، فيضطر إلى اللجوء والاستنجاد بالقبيلة أو الطائفة، وفي ظل استمرار الاستبداد لا يمكن تحقيق التقدم في مجتمعاتنا العربية، ويمكن محاربة الاستبداد السياسي والديني عبر مشروع عربي نهضوي، وبجهود مشتركة من جميع المكونات الوطنية في المجتمع، بعيدا عن أي تفضيل أو تمييز لأي طائفة، وإزالة النظرة التهميشية القائمة على أساس الأكثرية والأقلية. ومن المهم أن تقدم الأنظمة العربية لشعوبها المشروع الوطني الجامع الذي ينبذ التمييز ويحترم حقوق الإنسان، فما زلنا نحلم بوطن عربي يجمع أبناءه على قلب وهدف واحد، يستثمر طاقاته ويستمتع أصحاب الأرض بخيراته، ليكون مقياس الأفضلية هو الكفاءة والإخلاص في العمل، لا على اعتبارات طائفية أو قبلية. aalsaalaam@gmail.com
مشاركة :