هاجس الرمز عند الإخوان والانقلاب على مهاتير محمد | عدلي صادق | صحيفة العرب

  • 6/4/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

نقلت وكالة “الأناضول” التركية، عن الفقيه المغربي أحمد عبدالسلام الريسوني، خليفة الشيخ يوسف القرضاوي، في رئاسة “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” تصريحا غريبا حول التطورات السياسية في ماليزيا، وعن المآل الأخير للزعيم الوطني مهاتير محمد. التصريح، عبارة عن معزوفة هجاء مسموم، في قالب من الامتداح، ارتكز على عدة عناصر، أهمها السن الذي بلغه الرجل، وهو في الثالثة والتسعين. ومن بين دواعي الاستغراب، أن يوصف الرجل في هذه السن بوصف الذي بلغ “أرذل العمر”، وهذا وصف لا يليق بمهاتير محمد، من حيث قدرته الراهنة على العمل والحركة، أو من حيث تاريخه الذي يُفترض أن الإسلاميين ظلوا يخصونه احتراما لا تشوبه شائبة. ويبدو أن الإسلاميين العرب قد أضمروا بغضاء لمهاتير محمد، منذ أن قاد حملة ضارية للإطاحة برئيس الوزراء الأسبق نجيب تون عبدالرزاق، في أكتوبر 2017، ونجح في الإطاحة به في أغسطس من العام التالي، بعد مقاومة شديدة من نجيب، عزز خلالها قبضته على الحكم. كانت الحملة، بسبب ما ظهر من وقائع فساد اقترفها نجيب، وأهمها تلقيه رُشى من صفقات سلاح روسية، بخلاف الاشتباه بتلقيه رشوة أخرى عن طريق مساعديه، من صفقة شراء غواصات فرنسية، وتلك كانت فضيحة مؤكدة، لأن مساعد نجيب تعرض لابتزاز سيدة استعان بها للترجمة، طالبته بعمولة نصف مليون دولار، فقُتلت وأدين بقتلها شرطيان من حراس نجيب. ممثلو "الإسلام السياسي" ومن خلال أحد عناوينهم الكثيرة رأوا الحكمة في الفصل، وليت الأمر ظل في حدود الإعراب عن “حكمة” القرار. فقد زيد عليه، التغني بالطرد من الحزب لكن نجيب ذاك، كان من الوجهة الموضوعية يدغدغ عواطف الإسلاميين، فيتحدث عن ماليزيا “دولة إسلامية لم تكن علمانية قط ولن تكون، لأن هذه العلمانية بالمفهوم الغربي تعني فصل المبادئ الإسلامية عن منهجية الحكم”. محيي الدين ياسين، الذي يتهمه مهاتير محمد بأنه وراء عملية طرده مع أربعة من رفاقه، من حزب “السكان الأصليين المتحد” الذي أسسه (مهاتير نفسه في العام 2016)؛ كان من مدرسة مهاتير، ثم تأثر بنجيب، تلميذ مهاتير السابق أيضا، وكان يرى ما يراه بخصوص “إسلامية الحكم” لكنه صُدم من وقائع فساد نجيب، فشق عصا الطاعة عليه فطرده الأخير من الحزب. بعد خمسة أيام من استقالة مهاتير في الأسبوع الأخير من فبراير الماضي، بادر الملك إلى تعيين محيي الدين ياسين رئيسا ثامنا لوزراء ماليزيا. والإسلاميون العرب يتابعون تطورات ماليزيا، وفي أذهانهم هاجس الرمز الذي يفتشون عنه، وخارج أذهانهم تماما النزعات الأقل من قومية التي تمارس علنا على مستوى جميع زعماء ماليزيا، علما بأن ذلك البلد يزدحم بالمكونات العرقية. فالقومية والأقل منها، تُعد عند الإسلاميين في العالم العربي “عصبية نتنة” على قاعدة أن هناك “أمة” لا ينبغي أن تولي أي أهمية لمشتركات الثقافة واللسان والمصير. ها هو المغربي أحمد الريسوني، ذو الباع الطويل في “الفكر المقاصدي” يتعاطى مع الحدث الماليزي كمن يتعاطى مع شيء يخصه وطنيا، وتنقل وكالة “الأناضول” تصريحه، على أساس أن الشأن الماليزي يخص أردوغان، والمسألة كلها أشبه بالكراسي الموسيقية. فأردوغان، الذي توزع وكالته للأنباء تصريح أحمد الريسوني، ظل يباهي بـ”تحالفه” مع مهاتير محمد. اليوم ينقل إعلامه إلى الموالين والمُعجبين نصا ذا تنميط شائن للزعيم الماليزي الذي عاد إلى السلطة في سن متقدمة، ثم خرج منها الآن، بعد أن كان في موضع الحفاوة، علما بأن الرجل، في فبراير 2020 كان أكبر الزعماء سنا في العالم، ويزيد عمره أكثر من سنة، عن عمر ملكة بريطانيا، ويُعد من أكبر الذين أمسكوا بمقاليد الحكم سنا على مر تاريخ العالم، لكنه لا يزال ناشطا! وفي الحقيقة، بدا أن خروج مهاتير من السلطة (وكان قد تقاعد وغادر الحياة السياسية في العام 2003 ثم عدل عن التقاعد في العام 2018) قد أغوى الإسلاميين الموصولين بالمركز التركي، أن الرجل لم يعد يصلح رمزا راهنا، بحكم السن وما تعرض له من عُسف التلامذة والموالين السابقين. لذا تراهم يميلون إلى الرهان على رمز ماليزي آخر، أقصر قامة من أردوغان وتابعا له في ما يأملون، وعلى مستوى المشروع الذي يريدون. تلقفت “الأناضول” تصريح الشيخ أحمد الريسوني، لكي تفتح الطريق إلى خيار آخر. وبكل السفاهة والإنكار وخلط الكثير من السم بجرعة صغيرة من الدسم، أحالته الفتوى المقاصدية إلى مخزون الذكرى، فأصبح مهاتير محمد، عندما يُفصل من الحزب الذي أسسه، يكون “القرار حكيما” ووجه الحكمة، في المنظور المقاصدي الذي يزعم أنه يستلهم أخلاق النبوة، أن الرجل، مع أربعة من رفاقه، جلسوا في مقاعد أبعد قليلا عن المقاعد التي يجلس عليها نواب الحزب في البرلمان. يبدو أن الإسلاميين العرب قد أضمروا بغضاء لمهاتير محمد، منذ أن قاد حملة ضارية للإطاحة برئيس الوزراء الأسبق نجيب تون عبدالرزاق، في أكتوبر 2017، ونجح في الإطاحة به لم يراعِ المتحدث المقاصدي أن الرجل ربما أراد الاعتراض، لكي يُناقش ويوضح ثم تعود المياه إلى مجاريها. ولم يُراع تاريخ الرجل. لكن ممثلي “الإسلام السياسي” ومن خلال أحد عناوينهم الكثيرة (الطريقة المقاصدية) رأوا الحكمة في الفصل، وليت الأمر ظل في حدود الإعراب عن “حكمة” القرار. فقد زيد عليه، التغني بالطرد من الحزب وامتداح تلك “الجرأة والقدرة على عزله وتنحيته، وهو متربع على رأس السلطات الثلاث”. فـ”الزعماء الكبار والقادة العظام.. والزعماء الأفذاذ بشر من البشر، لهم نقائصهم ومواطن ضعفهم، ولهم قابليتهم للإصابة بالآفات والأمراض النفسية، تماما مثلما هو حال الأبدان”. لا نعلم هل تذكرت وكالة “الأناضول” على ماذا من السلطات يتربع أردوغان؟ وما إذا كان يخطئ أم لا؟ أو هو معرض للإصابة بالآفات والأمراض، أم إنه محصّن؟ بل هل تصبح إنجازات أردوغان التي يراها الإسلاميون، سببا لبعض أمراض تصيبه، مثلما يقول الشيخ المقاصدي عن مهاتير محمد، وتنقل عنه وكالة “الأناضول”؟ لقد بلغت السفاهة مداها، ولامست التشهير في قول الشيخ الريسوني “لقد رأينا ومازلنا نرى، في ساحتنا العربية والإسلامية، ملوكا ورؤساء وزعماء دينيين وسياسيين، مكثوا في كراسي الحكم والرئاسة حتى مَلَّـتْـهم الكراسي وضاقت بهم ذرعا، حتى بلغ المرض ببعضهم درجات أصبحوا معها مهازلَ.. لم يتعظوا لا بأرذل العمر الذي أحاط بهم، ولا بالأمراض التي تنخر أجسادهم”. ومثل هذا الكلام، يمكن أن يزعج السلطان عبدالحميد الثاني في قبره، لاسيما وأن الإسلاميين وغيرهم، مازالوا يأسفون على قصف عمر حكمه في العام 1909 بأيدي انقلابيين، بعد 33 عاما من جلوسه على كرسي السلطة، لم يتحمل خلالها دستور 1876 العثماني سوى عامين فقط! بمثل هذه الأخلاق “الأناضولية” لن يستطيع إسلاميو السياسة خداع الناس كل الوقت، لأن كل المعايير التي يمارسون هجاء الآخرين على أساسها، تكمن في طبائعهم، وفي دواخل أردوغان نفسه.

مشاركة :