خيبة الطلب التركي وخفّته بتوقيف محمد دحلان | عدلي صادق | صحيفة العرب

  • 8/26/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أيام، وتحديدا في يوم السبت 22 أغسطس الجاري أوعزت الأمانة العامة للشرطة الدولية “الإنتربول” إلى فريق عملها المكلف بإصدار “إشعارات النشر الحمراء” إبلاغ مكاتبها المركزية لدى جميع الدول الأعضاء في المنظمة، قرار رفض الطلب التركي إصدار مذكرة توقيف بحق النائب الفلسطيني محمد دحلان. كانت الإنتربول قد تلقت الطلب قبل يوم واحد من رفضه، ما يدل على أن الطلب فور تقديمه من الجانب التركي لم يكن يستحق الدراسة والتمحيص، لسخافته ولخفة الجانب التركي في التقدم بالطلب أصلاً، وجزافية الاتهام الذي لا يقوم عليه أي دليل سوى أن عنصرا فلسطينيا أو اثنين لا يُعرف عنهما شيء (وكان هناك ثالث قُتل تحت التعذيب، وزعم الأمن التركي أنه انتحر في زنزانته، ثم اتضح من خلال تشريح الجثة ومعاينة الزنزانة وقرائن أخرى أن موت الضحية كان تحت التعذيب)، أرادوا تسويق اتهامات ضد دحلان أشبه بمادة دعائية إعلامية تقول إن الرجل يقوم بتنفيذ أنشطة تجسس تستهدف مواطنين مصريين وفلسطينيين مقيمين على الأراضي التركية! في قرارها العاجل، نوّهت الشرطة الدولية إلى أن الطلب التركي لا يلبي المادة 3 من اللائحة الناظمة لعمله، التي تحظر على الإنتربول حظرا باتا أن تنشط أو تتدخل في مسائل أو شؤون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري، وغير ذلك من الدعاوى التي تعوزها الأدلة الجنائية. وبناء على هذه المادة ومواد أخرى من قانون الإنتربول جرى “حذف جميع المعلومات المتعلقة بالسيد دحلان من قواعد البيانات لديها” وأن “الأمانة العامة لن تتخذ أي إجراء بخصوص الرسالة المتعلقة بالطلب التركي”، إذ “لا يمكن إجراء أي اتصال أو تعاون شرطي في هذه الحالة عبر قنوات الإنتربول ويتعين على جميع الدول الأعضاء تحديث قواعد بياناتها الوطنية وفقاً لذلك القرار”! وكان النظام التركي قد أصدر في ديسمبر العام الماضي مذكرة توقيف دولية بحق محمد دحلان متهما إياه بالمشاركة في محاولة الانقلاب في تركيا صيف 2016 بالتعاون مع حركة “حزمت” التي يتزعمها المعارض التركي فتح الله غولن، والمقيم في منفاه الأميركي. كان الاتهام بحد ذاته يدحض نفسه بنفسه، لثبوت عدم معرفة محمد دحلان بدواخل السياسة التركية بل عدم زيارته تركيا من قبل سائحا أو مؤديا لوظيفة عمل. وفي حادث قتل المواطن الفلسطيني زكي مبارك حسن في أبريل 2019 بعد تعذيبه لإكراهه على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها؛ اتهمت عائلة الضحية المخابرات التركية بالقتل، كما أن منطق الأمور نفسه، كان يخالف الاتهام ويدحضه، إذ كيف يمكن لمواطن من قطاع غزة، دفعته الضائقة في بلاده للسفر إلى تركيا (لاسيما بعد أن فشل في العثور على عمل في أي بلد عربي) أن يكون مكلفاً بعمل يحتاج إلى خبير في شؤون تركيا، بينما القتيل لا يعرف الشارع الرئيسي فيها. لذا تعمد الجانب التركي في مذكرته إلى الإنتربول تغيير التهمة، وهي أن دحلان يرسل عناصر للتجسس على الفلسطينيين والمصريين المقيمين على الأراضي التركية! كان واضحاً منذ صيف العام 2016 أن النائب الفلسطيني محمد دحلان، قد أصبح في ناظر النظام التركي، المعادل الموضوعي لمجموعة من الرموز والعناوين التي لا تزال تقلق النظام التركي وجماعة “الإخوان” القطبيين. وفي هذا السياق، تجاوز العداء الأردوغاني، في تركيزه على النائب الفلسطيني محمد دحلان، أقصى حدود البغضاء والاستهداف، وتوغل في الصبيانية والجنون. ولو حاولنا تفكيك أو تشخيص الحالة العصبية التي تدفع أردوغان إلى هذه الخفة وإلى هذا السَعار، فلن نعرف لها تفسيراً عضوياً، وإن كنا نعرف مسبقاً، أن ما ظهر حتى الآن، من خيبات آمال أردوغان، هو سبب الكراهية الاستثنائية لدحلان. فلا الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أهان أردوغان مراراً، ولم يُخفِ أنه تعمد إدخال الاقتصاد التركي إلى غرفة الإنعاش؛ له مثل هذه البغضاء لدى نظام أردوغان، ولا النظام في مصر، الذي أطاح بحكم الإخوان له مثل هذه الكراهية التي يكنها أردوغان لدحلان. بل إن إعلام أردوغان، لا يخصص لنتنياهو بكل قبحه وتعدياته، واحدا في المئة من الهجاء المخصص لدحلان. ولا الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي على التطبيع، سيكون مزعجاً لأنقرة الضليعة والعميقة في العلاقات مع إسرائيل، لولا أن الاتفاق يصلح منطلقاً للهجوم على محمد دحلان. لقد أصبح دحلان صداع أردوغان، ومشكلة نفسية له، من النوع الذي لم يعثر الطب النفسي على علاج له، ولم يستطع سبر أغواره. فالخلفيات المسكوت عنها، المختزنة في عقل أردوغان الباطني، لا تزال تفرز أشباحاً دحلانية، وتهيؤات مزعجة، من شأنها إحباط محاولات الرجل التصالح مع نفسه. لنفترض جدلاً أن دحلان مسؤول عن كل السياسات التي تعارض التوسع والتدخلات التركية في الجوار العربي وفي غربي البحر المتوسط، بل لنفترض أن دحلان، هو صانع التحسس اليوناني من تركيا، وأن المرارة في نفوس اليونانيين لم تكن موجودة في التاريخ قبل دحلان. فلماذا يقتصر التركيز في العداء الحصري والشخصي على دحلان دون سواه؟ المعجبون بأردوغان، ومن يوالونه، ومن يرونه البديل والمغيث؛ أسهموا ويسهمون في التقول على دحلان وجعله سبب كل عِلة. ولولا أن دحلان موجود في الإمارات، لما كانوا قد أظهروا اعتراضاً على اتفاق التطبيع، لأن أردوغان نفسه مُطبّع عريق، ظهر على المسرح السياسي مع ظهور النسخة الشارونية في إسرائيل. وبالنظر إلى هؤلاء، يصح أن تكون فلسطين مسرحا لإجابة عن السؤال المعقد: لماذا كل هذا العداء الأردوغاني لدحلان، لاسيما بعد أن تعمد موالوه، جعل اتفاق الإمارات مع إسرائيل وكأن لا علاقات عربية وتركية مع إسرائيل قبلئذٍ، ولا طرف غير الإمارات يستحق أن يلام؟ أغلب الظن، أن علة الجنون الأردوغاني، أن دحلان كان حريصاً على تلبية شروط السلم الأهلي في غزة، ومن ضمنها تدشين علاقة لحماس مع مصر، والتطبيق الجزئي على الأرض لاتفاقات المصالحة الفلسطينية. فعندما تكون حماس في غزة، أيقونة “الإخوان” الأردوغانيين في الإقليم، ويريدونها كحصان طروادة في مصر؛ سيصبح الوئام في غزة، وعلاقة حماس فيها مع مصر، فاجعة كبيرة لأردوغان ولمواليه من “الإخوان”. فما يريده هؤلاء، هو استخدام حماس ضد مصر واتخاذ المساحة الفلسطينية الضيقة، قاعدة ارتكاز للجماعة وجغرافيا سياسية لها، مجاورة وقريبة من ساحات صراعها، حتى لو أدى ذلك إلى احتراق غزة، واستمرار شقاء سكانها وبؤسهم. في الحقيقة، كان دحلان وسمير المشهراوي، مؤسسا تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح الفلسطينية، قد صنعا مأثرة التفاهم مع حماس في غزة، وهذه يراها أردوغان خازوقاً. أما دون ذلك من الخزعبلات والاتهامات الصادرة عن عقل مريض، ومن بينها جعل دحلان هو الذي حرض على الانقلاب وأغوى 21 جنرالاً، وألوف الأساتذة الجامعيين وعشرات الألوف من القضاة وموظفي الدولة، فأجوبتها عند الطبيب النفسي المعالج. فلو امتلك دحلان في أنقرة التي لا يعرفها، كل تلك القدرة الأسطورية، لاستطاع أن يغير الأوضاع في رام الله التي يعرفها، اللهم إلا إذا كانت إسرائيل، صديقة أردوغان، هي التي ستمنعه!

مشاركة :