قرار مجلس الأمن الدولي بشأن إرسال بعثة سياسية أممية إلى السودان مع تمديد مؤقت لعمل قوات حفظ السلام المشتركة (يوناميد) في دارفور راعى الهواجس السودانية والمطالب الدولية، وسط اعتقاد بأن وجود مظلة أممية من شأنه أن يدفع مسار الانتقال السياسي في هذا البلد قدما، والذي شابته تعثرات في الفترة الماضية. الخرطوم – دخل السودان مرحلة سياسية جديدة عقب موافقة مجلس الأمن على تشكيل بعثة سياسية في الخرطوم مهمّتها دعم المرحلة الانتقالية، تحت مسمى “يونيتامس” لفترة أولية مدتها 12 شهرا، ما يعزز القواعد النزيهة لضمان سريان المعادلة السياسية الراهنة، حيث أضحت المكونات المدنية والعسكرية في السلطة، والحركات المسلحة، تحت أعين الأمم المتحدة التي عليها تعيين مبعوث لدى السودان خلال الأيام المقبلة. أصدر مجلس الأمن الدولي مساء الأربعاء بالإجماع قرارين رعتهما ألمانيا وبريطانيا، نصّ أحدهما على تشكيل بعثة سياسية لدعم المرحلة الانتقالية، بينما نصّ الثاني على تمديد مهمة قوة حفظ السلام في دارفور (يوناميد) ومؤلفة من ثمانية آلاف جندي إلى نهاية العام على الأقلّ. وتبنت الأمم المتحدة صيغة سياسية حظيت بقبول سوداني، واستبدلت الوجود تحت البند السابع الذي يجيز استخدام القوة العسكرية إلى البند السادس من خلال بعثة يقتصر دورها على تقديم الاستشارات السياسية والفنية، واحتفظت بوجودها العسكري ممثلا في البعثة الأممية- الأفريقية المشتركة (يوناميد)، في دارفور. راعى التوجه الأممي التوازن، فقد استجاب لرغبة الخرطوم في ميلها نحو البند السادس، ولبى طلب بعض الحركات المسلحة التي كانت تتخوف من إمكانية سحب القوات العسكرية من دارفور في ظل أوضاع أمنية غير مستقرة هناك والتي تترافق مع عدم حدوث تطورات ملموسة في ملف السلام، ما يهدد بإمكانية اندلاع نزاعات جديدة قد تحتاج تدخل “يوناميد” للتعامل معها. رشيد محمد إبراهيم: المستفيد الأول من البعثة السياسية هي الحكومة الانتقالية رشيد محمد إبراهيم: المستفيد الأول من البعثة السياسية هي الحكومة الانتقالية تساعد البعثة السياسية في بناء السلام وحماية المدنيين وسيادة القانون في دارفور والمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، ودعم قدرة الحكومة على توسيع حضور مؤسسات الحكم المدني الشامل، والمساعدة في توفير بيئة آمنة ومستقرة يمكن من خلالها تنفيذ اتفاق سلام مستقبلي وتوفير السبل اللازمة لدعم بناء الأجهزة الأمنية، وحماية حقوق الإنسان. سيكون للبعثة دور في حشد المساعدة الاقتصادية والإنمائية، تشمل تسهيل وسائل التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، والتنسيق الفعال مع وكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها. ورغم حاجة السودان إلى الانفتاح بشكل أكبر على الهيئات والمنظمات الدولية، وهو أمر وفره انتقاله إلى البند السادس، غير أن عدم قدرة البعثات الأممية في بلدان مماثلة على إحداث نجاحات يمكن التعًويل عليها جعل البعض يتخوفون من انغماسها في التعقيدات السياسية بين المكونات المختلفة، ما يؤثر في قدرتها على تحقيق أهدافها. يرى أنصار هذا الرأي أن إزاحة نظام عمر حسن البشير ليس بحاجة لوجود أممي خارجي، بعد أن امتلك السودان قراره الداخلي، لأن أبناءه أدرى بمشكلاتهم من أي طرف خارجي قد يلعب دورا لحساب جهات معينة، ما يزيد الأوضاع تعقيدا. وظهرت خلافات بين الشقين المدني والعسكري في السودان على إثر تقديم رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، خطابا إلى الأمم المتحدة في يناير الماضي، طالب فيه بالانتقال إلى الفصل السادس “تضم عنصرا قويا لبناء السلام”، ما جرى تفسيره على أنه إشارة إلى طلب قوة مسلحة. سحبت وزارة الخارجية السودانية الطلب الأول، وقدمت آخر بعد اجتماع ضم الحكومة ومجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير، حدد مهام البعثة السياسية بصورة تستبعد التلميح للفصل السابع (استخدام القوة العسكرية) من ميثاق الأمم المتحدة. وضع أمني يستوجب حلا سريعا وضع أمني يفرض حلا سريعا ويقول أستاذ العلوم السياسية بمركز الدراسات الدولية بالخرطوم الرشيد محمد إبراهيم، إن القرارات الأممية تعكس توجهات الحكومات الانتقالية، والتي ليست لديها موانع من رقابة الأمم المتحدة، بعد أن كان التوجه العام إنهاء الوجود الأممي بحلول يونيو الجاري، الأمر الذي أحدث خلافات بين المكونين المدني والعسكري في السودان، جرى حله بالتوصل إلى حل وسط، تفهمته القوى الدولية المؤثرة. ويضيف لـ”العرب”، أن المستفيد الأول من البعثة السياسية هي الحكومة الانتقالية، لأنها تحمي الالتزام بالوثيقة الدستورية، بعد أن تخوفت من إمكانية أن يقوم المكون العسكري بالاستئثار بالسلطة برمتها، وتمديد تواجده على رأس مجلس السيادة، وتضمن البعثة نجاح العملية التبادلية لإدارة المرحلة الانتقالية، وتواجد القوى الثورية. تنظر شريحة كبيرة في المكون المدني إلى العسكريين باعتبارهم خصوما محتملين وليسوا أصدقاء أو شركاء على المدى البعيد، وتلك النظرة تعبّر عن طبيعة القوى السياسية السودانية التي تفقد الثقة سريعا في بعضها. ولدى البعض من المراقبين، مخاوف من أن يكون الحضور الأممي مقدمة لعودة أنصار البشير والتمهيد لدمجهم في العملية السياسية، وأن الفترة المقبلة قد تشهد العديد من المشاورات بشأن إتاحة مشاركتهم في الانتخابات المقبلة. ويرى آخرون أن عدم انخراط الأمم المتحدة بشكل أكبر في عملية السلام الجارية منذ انطلاقها في أغسطس الماضي، يعني أنها لم تكن مقتنعة بآليات السلام، ما يشير إلى عدم استبعاد هدم ما جرى في جوبا وتصحيح المسارات، وبالتالي دوران العجلة من جديد، وهو ما يلبي تطلعات بعض الحركات المسلحة ويغضب أخرى. يبرهن الإبقاء على قوات يوناميد في دارفور على أن الأمم المتحدة تدرك هشاشة مفاوضات السلام على المسارات المختلفة، وأن ملف دارفور أحد أبرز أسباب عرقلة التفاهمات حتى الآن وعدم وصولها إلى نقطة النهاية، بفعل الانقسام بين الحركات المسلحة، وعدم قدرة الحكومة المركزية على احتواء النزاعات القبلية التي تنشب من وقت لآخر. أوضح تقرير مشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، صدر في مارس الماضي، أن العنف في دارفور تراجع بين الجماعات المتمردة، لكن الأسباب العميقة للنزاع لا تزال قائمة وهذا ما يؤجج الخلافات بين السكان، ويعد ذلك أحد الأسباب القوية التي دفعت مجلس الأمن للموافقة على بقاء جنود حفظ السلام في القوة التابعة للأمم المتحدة. ويؤكد الباحث السياسي عبدالمنعم أبوإدريس، أن الأمم المتحدة سيكون لها دور في تهيئة الأوضاع لتنفيذ السلام على الأرض دون الانخراط في تفاصيل المفاوضات، وسوف تساعد في بعض قضايا إعادة دمج وتسريح عناصر الحركات التي تتطلب تمويلا وقدرات فنية عالية، وتقديم المساعدات على نحو يمكن النازحين واللاجئين من العودة إلى مناطقهم، وستكون وسيطا في السلام، حال تعثرت المفاوضات الحالية. ويلفت في تصريحات لـ”العرب”، إلى أن الأمم المتحدة استجابت لمطالب الحكومة بشكل كبير، وأن القرار يلقى قبولا من القوى السياسية، لأن البعثة الجديدة سوف تعطي المزيد من الضمانات لوصول فترة الانتقال السياسي إلى نهايتها، وعدم السماح لأي طرف بتمديدها، وتدعم الحكومة في قراراتها لإزالة التمكين، وتقويض فلول البشير الذين يحاولون الانقضاض على السلطة.
مشاركة :