جون فلويد، مواطن أمريكي من أصول أفريقية، تم توقيفه والتعامل معه بعنف من قبل الشرطة في ولاية مينيسوتا الأمريكية بسبب الاشتباه في استخدامه نقود مزورة، إذ أجهز شرطي بركبته فوق عنقه حتى فارق الحياة، الأمر الذي اعتبره الأمريكيين جريمة عنصرية واضطهاد لأصحاب البشرة السمراء، فأثار مقتله احتجاجات واسعة وخرجت مظاهرات عمت أغلب الولايات الأمريكية، صاحبها أحداث عنف وتخريب واسعة من قبل المتظاهرين.لم يحسن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التعامل مع الحدث وبدلا من تهدئة الرأي العام، وصف المتظاهرين باللصوص المأجورين، وأمر بنشر قوات الجيش، وأعلن حظر التجوال، قبل أن يعود ويعلن عن نشر تعزيزات إضافية من الجيش وقوات الحرس الجمهوري الخاصة، ليس هذا فحسب بل وجه الانتقاد لرجاله ونعت محافظي الولايات بالضعفاء، محرضا إياهم على الانتقام ممن وصفهم بـ المخربين الإرهابين.خطابات ترامب وتصرفاته، كانت محط انتقاد وسخرية من الساسة والمواطنين على حد سواء، فالرجل الذي تسبب مقتله في تفجير الأحداث بلا تاريخ سياسي، وهو أحد الأمريكيين الكادحين، رحل وترك زوجة وابنة دون عائل، كما أنه عاش حياة المعاناة والكد حيث نشأ في أحد أحياء هيوستن بولاية تكساس، في قلب مجتمع الأفارقة الأمريكيين، انضم لفريق كرة السلة، وشارك في ساحة موسيقى الراب وهو مراهق، ثم قضى في سجن 5 سنوات بتهمة السرقة، وعمل سائق شاحنة، وحارس أمن، قبل أن يصبح ضمن 40 مليون أمريكي تسببت جائحة كورونا في تعطلهم عن العمل. بل وزاد الصورة درامية ما أثبته تقرير الطب الشرعي من أنه كان مصابا بفيروس كورونا، الأمر الذي أثار تعليقات منددة برئيس الولايات المتحدة الذي يجهز على رقاب الأمريكيين ويقتلهم بدلا من الانشغال بعلاجهم وتحسين معيشتهم، كل هذه الأشياء جعلت أصواتا أخرى تعلن تضامنها مع المحتجين في مواجهة ترامب.المغنية السمراء بيونسيه، والتي نشأت أيضا في هيوستن، خرجت في بث حي منددة بقتل فلويد، وطالبت جميع الأمريكيين بالانتفاضة والاصطفاف في وجه العنصرية. زعيم الأقلية داخل الكونجرس تشاك شومر، وصفه بالديكتاتور الذي أفرط باستخدام العنف ضد متظاهرين سلميين، فضلا عن عدم احترام حقوقهم الدستورية.جون بايدن ، مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية القادمة، قال أن ترامب ضيع حقوق الأمريكيين، وأفرط في استخدام القوة ضد متظاهرين عزل لمجرد الترويج لنفسه أمام كتلته الانتخابية. وبالرغم من سرعة تلاحق الأحداث واستمرار الاحتجاجات، فإن كارهي ترامب أو مؤيدي بقاءه لا أحد يستطيع أن يجزم كيف ستجري الأمور غدا، لكن الأمر الذي بات واضحا للجميع أن أمريكا ليست هذا المجتمع المثالي الذي يرعى الديمقراطية، ويحفظ حقوق المواطنين، إنما هي بلدا عادي، تعصف به الأزمات، لا تحترم فيه نصوص الدستور، يشرد فيه الفقير، يعتدى على مواطنوه يسحلون، ويقتلون بدم بارد، يتظاهرون لنيل حقوقهم، يصرخون طلبا للعدالة المفقودة، يفتقدون الأمان ويعانون الفوضى.نعم إن أمريكا الآن وبلا شك تتجرع كأس الفوضى الذي طالما جرعته لغيرها من البلدان فكانت سببا في إشعال حروب، وتبديل حكومات، وسقوط أنظمة، وتفكك دول، وتشريد ملايين الأبرياء.
مشاركة :