ذكرت في مقال سابق أن إسرائيل تسعى إلى تطبيع العلاقات بينها وبين الدول العربية على المستوى الشعبي عن طريق إيهامهم بصدق رغبتها في إحلال السلام بالمنطقة، وقلت إنها تُصدر لنا صورا زائفة للتعايش السلمي بين العرب واليهود داخل المناطق الواقعة تحت سلطة الاحتلال. ودللت على ذلك بما ذكره المفكر اليهودي إسرائيل شحالك في مؤلفاته حول اليهودية، واليهود، مطالبة بمناقشتها بحيادية، لكن أمانة الكتابة ألزمتني بمنح القارئ شيئا من التعريف بالمفكر الراحل، الذي لم ينل كثيرا من الاهتمام في الإعلام العربي، فضلا عن تعرضه للعزل والتهميش داخل إسرائيل حتى وفاته 2001. وُلد إسرائيل شحالك في مدينة وارسو البولندية 1933 لأبوين يهوديين، وهو في عمر السادسة ومع بداية الحرب العالمية الثانية واجتياح القوات الألمانية بولندا تعرض للاعتقال، لكن يد القدر أرادت له النجاة وفي عام 1945 هاجر إلي إسرائيل. لم يكن " شحالك " في بداية حياته سوى يهودي باحث عن الأمان، أعتقد أنه وجد أرض السلام التي يحلم بها، فأكمل دراسته وخدم في الجيش ثم عمل محاضرا في الكيمياء بالجامعة العبرية بالقدس، إلا أن عام 1965 كان عاما فاصلا في حياته إذ تعرض لموقف أحيى بداخله فظائع النازية ولهيب الهولوكوست، وتجلت أمامه العنصرية في أقبح صورها حين رفض جاره اليهودي أن يُستخدم هاتفه لإنقاذ جار آخر غير يهودي، لكن صدمته الكبرى كانت أمام المحكمة التي أقرت بأن ما فعله اليهودي غير مخالف للقانون ورفضت تجريمه. وكانت هذه هي نقطة البداية التي غيرت نظرته لمجتمعه وكرس حياته للبحث في أصول الديانة اليهودية، والمبادئ التي أسس عليها اليهود دولتهم، كان الحصاد ستة مؤلفات. في كتاب " من الأرشيف الصهيوني وثائق ونصوص " تراه لا يكتفي بوضعك في قلب التاريخ بل قام بتأريخ كاشف لأغلب ركائز السياسة الصهيونية داخل وخارج إسرائيل، والذي يقرأ هذا الكتاب سيجد فيه تفسيرًا للكثير من مجريات السياسة الإسرائيلية مع العرب عامة والفلسطينيين خاصة، وكيف نجحت عصابة من الصهاينة في ابتزاز العالم وتأسيس دولة تفتقر إلي أبسط مبادئ الديمقراطية، فمثلا ستجد أن قضية مثل عودة اللاجئين وهي إحدى أهم القضايا التي أرهقت الساسة العرب تم حسمها تاريخيا من قبل اليهود ورفضوا عودتهم إلي أي جزء من الأراضي المحتلة، ولم يأت الواقع بخلاف ذلك أو بما يثبت العكس. "التاريخ اليهودي الديانة اليهودية وطأة ثلاثة آلاف سنة "، عنوان كتاب آخر قام خلاله بتعرية سياسة اليهود وكشف كيف يتخذون التلمود مرجعا دينيا وسياسيا دون التوراة، بل إنهم قاموا بمحوها تماما من قاموسهم الديني، وقدم الكتاب شرحا موسعا ومناظرات هامة لأشكال العنصرية الدينية التي تكرسها إسرائيل، كما شرح الكاتب طرق تمييز إسرائيل لمواطنيها اليهود دون غيرهم في حقوق الإقامة، والتجارة، والحصول على عمل داخل إسرائيل. ورغم نقده الشديد لليهود واليهودية، التي أدت إلي اتهامه بمعاداة السامية فإن إسرائيل شحالك لم يكره الديانة اليهودية يوما، إنما أراد وطنا ترفرف عليه العدالة والديمقراطية، ويحظى مواطنوه بالمساواة، لكن ما لخصه في مؤلفاته يؤكد أن هذه القيم مازالت مفقودة، والأمر الأخر المؤكد أيضا أن إسرائيل شحالك كان وسيظل رجلا تلعنه إسرائيل.
مشاركة :