أحمد الصادق: متفائل بمستقبل السرد في السودان

  • 7/3/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حاوره/ محمد نجيب محمد علي-الخرطوم يرصد الناقد والمترجم السوداني أحمد الصادق أحمد في كتاباته أحوال الكتابة وسؤال الهوية والحداثة وما بعد الحداثة، داخل إطار معرفي ومفاهيمي ظل ديدنه في الساحة منذ ما يقارب العقدين من الزمان. التقته الجزيرة نت وأجرت معه حوارا تناول العديد من القضايا المتعلقة بالثقافة السودانية والعربية. هذا زمان السرد كما يقول النقاد.. كيف تقرأ السرد العربي والسوداني في أزمنة ما بعد الحداثة والعولمة؟ - الكتابة السردية باب عريض، والرواية العربية متقدمة ويكتبها نجوم كبار في سماء السرد. أرى روايات كثيرة وكتابات نقدية تحاول أن توازي المنجز، أما الرواية السودانية فهي تمشي بخطى وئيدة نحو اكتشاف درجة الجمال في مجتمعنا ومسكوته ومنطوقه، هي فكرة تسعى نحو التاريخ. هنالك لحظات تاريخية تأتي مشوهة ونصوص تتسم بقبح كبير، ولكن هذا ليس هو المعيار، المعيار هو أننا في منعطف تاريخي نبحث عن ذواتنا سرديا، والإنسان بطبعه كائن سردي كما جاء في الإلياذة والأوديسا. وكيف تقرأ المشهد النقدي والمناهج النقدية الحديثة وتطبيقاتها في السودان؟ - ما زلنا في تواصلنا مع الآخر الغربي نتقاطع معه ونتأثر به، ولو نظرت إلى المشهد النقدي السوداني لوجدته في كل فترة يأتي بأدواته لكشف النصوص الإبداعية، ولنا إسهاماتنا وبعض التجليات. لو سألتني عما يعنيه الهامش للمركز لقلت لك إن استيعابنا متطور ولا تنقصه الأدوات، ولنا فرائد في قراءة النصوص، لذلك فإن النص السوداني النقدي له قوله وله منطقه في القراءة، ولكنه لا يتماهي مع الترجمات التي تأتينا، وكلٌّ منا يرى من زاوية ومن أيدولوجيا، وهو ما يُخل بالقراءة الكلية. هناك من يتهم الإبداع السوداني بالعيش في حالة انكفاء وتراجع؟ - لا أتفق مع ذلك مطلقا، والممارسة الإبداعية لا تنفك عن السياسي والأيدولوجي، وعلم اللغة الحديث يقول إن الخطاب يتشكل أيدولوجيا وسياسيا في أكثر من ثلثيه، وكلما تدخلت السياسة والأيدولوجيا ضاقت المساحة والحرية وسقفها كفضاء للإبداع. والأسماء المكرسة التي تجعل مثل هذا السؤال قائما تعتمد على أن الأدوات النقدية كانت الأكثر إفصاحا عن نصوص هؤلاء المبدعين، وأي جغرافيا تتعرض لإشكاليات بنيوية تنعكس على مجمل المؤسسات التي تقف على حدود العلوم الاجتماعية والإنسانية، والسياق الاجتماعي يخلق تاريخه وسرده ونظرته.. أنا متفائل. وهل يمكننا قراءة الهوية السودانية عبر الرواية السودانية؟ - بالتأكيد، ففي السنوات الأخيرة كان سؤال الهوية في السودان مماثلا لسؤال الهوية في العالم العربي وفي أوروبا، وأغلب الكتاب أرّقهم هذا السؤال، وإن كان النص الجيد في قراءة المجتمع وفسيفسائه ينتج لنا دوما أدبا يفتح السؤال على مغاليقه، ويكسر هذا السؤال بالسرد الذي يفضي إلى هوية غير متجزئة، وتحتاج إلى أن تحترم الهويات الصغيرة وتجعلها جزءا أساسيا في سؤال الجغرافيا والتاريخ. لقد استطاع كتاب سودانيون أمثال عبد العزيز بركة ساكن ومنصور الصويم وليلى أبو العلا وجمال محجوب تحقيق هوية للسرد السوداني. باعتبارك مترجما أيضا، كيف ترى ثنائية اللغة عند بعض الكتاب السودانيين؟ ألا تؤثر هذه الثنائية في مسألة الكتابة والتلقي؟ - التأثير وارد، وإن كان الأمر الجوهري في هذا السياق هو أن نصا إبداعيا يلفت النظر عن اللسان الذي كُتب به وعن اللغة التي توسل بها الكاتب. وليلى أبو العلا مثلا في نصها الأخير حارة المَغْنى كتبت نصا سودانيا مئة بالمئة باللغة الإنجليزية، وأنتجت سردا له هوية سودانية. وإذا اتفقنا أو لم نتفق حول حواف النص أو البناء، فإن هذا النص يحمل بين دفتيه هوية سودانية لسرد سوداني بطعم سوداني. والتاريخ يحفل بشعراء وروائيين وكتاب سيرة عاشوا ثنائية اللغة وأبدعوا. وماذا عن الترجمة في الإبداع السوداني والعربي؟ وهل نجحنا في الوصول عبرها إلى الآخر؟ - اللغة العربية تعتبر اللغة الأم في السودان، ونحن جزء من العالم العربي الناطق بها، وقد أوصلتها الترجمة تاريخيا إلى التواصل، إذ إن الحضارات النيلية قبل آلاف السنين كانت تعتمد أكثر من لغة. هذه الممالك تحتاج إلى بحث تاريخي للدلالة على انفتاح الحضارات النيلية على العالم وتأثيرها وتأثرها بالعالم القديم. وجوهر الترجمة وأهميتها في الفعل الإبداعي أنها تحقق هوية متخيلة ومعرفة بالآخر، وتستوعب التناقض من أجل بناء جديد قائم على المعرفة. هناك من يرى أن الطيب صالح أصبح سقفا للرواية السودانية، وكل كتابات الشباب الجديدة تدور في فلكه؟ - ما العيب في أن يخرج كل الكتّاب من عباءة الطيب صالح؟ مهما كان المبدع فإنه لن يخرج من أرض له وسماء، هذه ذاكرتنا وهذه أعلى درجاتها. لست أنا من يقول إن الطيب صالح سقف للرواية، وفي اعتقادي أن أبسط كاتب يستطيع النفاذ من وراء هذا السقف، وأعظم المبدعين في التاريخ الإنساني اعترفوا بأنهم تأثروا بكتاب كانوا أمامهم، فالكاتب العالمي صموئيل بيكت مثلا يقول: بدون أن أقرأ صفحات لدستويفسكي لا أستطيع أن أكتب شعرا ولا مسرحية ولا رواية، وهذا يكشف أن التناص لا مناص منه سلبيا أو إيجابيا. ظاهرة تناول المسكوت عنه اجتماعيا انتشرت في أوساط الكتاب الشباب وأثارت أسئلة كثيرة حول محاولتهم خرق الحجب الاجتماعية وانتهاج مسارات خاصة بهم لا تتناغم مع المجتمع، فما رأيك؟ - ينتابني قليل شك حول ما يسمى المسكوت عنه، فلننظر في الرواية وطرائق كتابتها.. في اعتقادي أن الرواية بمآلاتها الآن تحولت إلى ماعون يتسع لكل التجارب الإنسانية. دعك من الحكي عن المحرمات الفكرية في العالم العربي وتأثيرها على الرواية، فهذا كلام جزافي. الرواية مخيال يعبر عن موسوعة إنسانية تحكي عن الإنسان وأوجاعه وروحه التي تتمثل في روح السرد، وكل فعل إنساني له تجربته الفكرية والعقلية والاجتماعية، ومن البديهي في المتن السردي أن يأتي فعل بصيغة يجترحها الكاتب ويحاول من خلالها إيصال رسالته.. الرواية نص مفتوح يلتقط ما شاء له أن يلتقط حسب حساسية الكاتب وخبرته ومعرفته وتجربته الكتابية، وتجارب الشباب بها شجاعة وضراوة بدائية، ولكنها لا تنفي قولهم الجريء.

مشاركة :