هذه مجموعة متنوعة من الخواطر الرمضانية ذات القيمة الإيمانية والفائدة العلمية بقلم الأستاذ الدكتور وليد مُحمَّد عبدالله العَلِيّ أُستاذ الشَّريعة والدِّراسات الإسلاميَّة بجامعة الكويت وإمـام وخـطـيـب المـســجــد الكــــبــــيــــر بدولــــة الكويت. w-alali@hotmail.com إنَّ العقولَ والألبابَ، مُضطرةٌ لمعرفةِ أسماءِ وصفاتِ ربِّ الأربابِ، فضرورتـُهُم إلى ذلكَ أعظمُ مِن ضرورةِ صاحبِ البذرةِ إلى قطرِ السَّماءِ إذا غرسها فِي التُّرابِ. بل الضَّرورةُ إلى معرفةِ ذلكَ أعظمُ مِن ضرورةِ الأبدانِ إلى الأرواحِ، والعيونِ إلى النُّورِ الوضَّاحِ. فأيُّ ضرورةٍ وحاجةٍ فرضها العبادُ: فإنَّ ضرورتَهم وحاجتَهم إلى معرفةِ أسماءِ وصفاتِ الكريمِ الجوادِ: فوقَ ذلك بالإحصاءِ والتَّعدادِ. لأنَّهُ لا سبيلَ في العاجلةِ إلى السَّعادةِ والنَّجاحِ؛ ولا طريقَ في الآجلةِ إلى الأُنسِ والفلاحِ: إلا في التَّعرفِ على الربِّ الكبيرِ المُتعالِ، وما لهُ مِن أسماءِ الجمالِ؛ وصفاتِ الكمالِ؛ ونُعوتِ الجلالِ. وإذا كانت سعادةُ العبدِ في الدَّاريْنِ؛ مُعلَّقةً بمعرفةِ الحميدِ المجيدِ حقاً بلا مَيْنٍ: وجبَ على كلِّ مَنْ نصحَ لنفسِهِ وأحبَّ نجاتـَها، ورامَ نعيمَها وسعادتـَها: أن يعرفَ من القريبِ المُجيبِ جميلَ أسمائِهِ، حتـَّى يتقرَّبَ إليهِ بعبادتِهِ ودعائِهِ. وقد ندبَ الواحدُ القهَّارُ؛ وحثَّ ورغَّب العزيزُ الغفـَّـارُ؛ عباده وأولياءه الأبرار، فقال في خطابِه المُشنِّفِ للأسماعِ؛ وكلامه المُهذِّبِ للطِّباعِ؛ وكتابه الداعِي إلى الاتِّباعِ: { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. ودعاء الله تعالى بهذه الأسماء: لا يتأتَّى للعبد إلا بعد أن يعرف مراتب الإحصاء، التي جاء في الحديث الشَّريف الحثُّ عليها؛ وتضمَّنت السُّنَّة النَّبويَّة المُطهَّرة الإرشادُ إليها، ففي الصَّحيحيْنِ مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (إنَّ لله تسعة وتسعين اسماً، مائةً إلا واحداً، مَنْ أحصاهَا دخلَ الجنَّة). وهذا الإحصاءُ المحمودُ، الموعودُ عليهِ بجنَّةِ الخُلودِ: يكونُ بحفظِ ألفاظِ هذهِ الأسماءِ، ثُمَّ بفهم معانيها الغرَّاءِ، ثُمَّ بدعاءِ اللهِ تعالى بها مع صدق الالتجاء؛ إمَّا دعاءَ عبادةٍ وثناءٍ؛ وإمَّا دعاءَ مسألةٍ وعطاءٍ. وتفسيرُ ذلكَ ما جاءَ في السُّنَّةِ النَّبويَّةِ الشَّريفةِ؛ والأدعيةِ المُصطفويَّةِ المُنيفةِ، فعنْ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالت: (قلتُ: يَا رسولَ اللهِ؛ أرأيتَ إنْ علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلة القدرِ؛ ما أقولُ فيها؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: قـُولِي: اللهُمَّ إنَّكَ عفوٌّ تُحِبُّ العفوَ: فاعفُ عنِّي). فتأمَّل كيفَ أرشدَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم زوجَهُ رضيَ اللهُ عنها: أنْ تُقدِّمَ بَيْنَ يَدَيِ الدُّعاءِ؛ في الرَّغبةَ والرَّجاءَ: المدح والحمد والثَّناء؛ على ربِّ الأرضِ والسَّماءِ، وأن يُنتخب من أسمائِهِ الحسنى ما يستدعيه المقام من الأسماء. فقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (اللهُمَّ إنَّكَ عفوٌّ): يتضمَّن المرتبة الأولى من مراتب الإحصاء؛ وهي مرتبة حفظِ ألفاظِ هذهِ الأسماءِ. فقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (تُحِبُّ العفوَ): يتضمَّن المرتبة الثَّانية من مراتب الإحصاء؛ وهي مرتبة فهم معانيها الجميلة الجليلة الغرَّاءِ. فقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (فاعفُ عنِّي): يتضمَّن المرتبة الثَّالثة من مراتب الإحصاء؛ وهي مرتبة دعاءِ اللهِ تعالى بها مع صدق الالتجاء. ومَنْ رامَ إحصاء أسماءِ اللهِ الحسنى؛ والثَّناء على الله تعالى بها الثَّناء الأسنى: فعليهِ بإدامةِ النَّظرِ فِي كلامِ اللهِ الكريم؛ والتَّفقُّه في سُنَّة نبيِّه عليه أفضل الصَّلاة وأزكى التَّسليم، فمعرفة الله تعالى بأسمائه الجميلة؛ والتَّقرُّب إليه بمُطالعة أوصافه الجليلة: هي حياةُ الرُّوحِ وطُمأنينةُ الفؤادِ؛ وأُنْسُ وسرورُ وقُرَّةُ عيونِ العبادِ، وهي الجنَّة التي من دخلها في الحياة الأُولى العاجلة: فهو موعودٌ بدخول الجنَّة في الحياة الآخرة الآجلة، ومن حُرم لذَّتها وما فيها من النَّعيم: فهو في معيشة ضَنْكٍ وعذاب عظيم.
مشاركة :