إبداع| تلك الليلة.. قصة لنهى جلال

  • 6/14/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

جلست فريدة معتدلة واضعة ساقًا فوق الأخرى، كعادتها تتابع المارة بنظرات هادئة وملامح ثابتة ولا تبالي بجميع الأصوات حولها. تراقب الطريق تارة وتنظر إلى هاتفها تارة أخرى، كأنها في انتظار شخص أو حدث ما، أو ربما لا شيء من هذا بالرغم من تواجدها كل ليلة في نفس المكان؛ ولكنها -في تلك الليلة تحديدًا- كانت مختلفة وكأنها فقدت جزء منها. بدا وجهها شاحبا تظهر عليه الهالات بوضوح، ابتسامتها ليست معها الآن، عاقده شعرها بشكل عشوائي على غير عادتها، ولم تحرك سوى مُقلتيها في جسدها في ثبات وكأنها تمثال من جليد. لا تُبالي وهي تُفتش في وجوه المارة في نظرات سريعة خاطفة تعُض شفتيها علامة على التفكير والتوتر والحيرة، تتمتم بعبارات خافته وتهز رأسها علامة الموافقة أحيانًا وكأنها تعقد اتفاق معها. تدور الأحداث في رأسها سريعًا تعود بالأحداث لبضعة شهور وفي نفس المكان. هُنا جمعها أول لقاء معه، تذكرت ابتسامته الساحرة وهو قادم مُسرعًا يبحث عنها بين الوجوه واتسعت ابتسامته عندما لوحت له بيديها لتنقذه من الحيرة وليقترب سريعًا فقد انتظرت طويلًا ذلك اللقاء. أغمضت عينيها وهي تتذكر تلك الدقة التي كادت تنتزع قلبها عندما نظرت في عينيه مباشرة، هُنا تحديدًا لم تقوى على تذكر المشهد كاملًا، ولكنها أقسمت بأن بريق عينيه انتزع من داخلها شيئًا لا تدري حتى تلك اللحظة ما هو، ولكنها تبحث عنه وهي على مُدركه تمامًا بأنه لن يعود مجددًا. بعد أول لقاء كانت مشوشة وتائهة، ولكنها استسلمت لإحساسها ولم تكابر كعادتها. جلس أمامها يجول ببصره داخل ملامحها ويستسلم لنظراتها ويخطف نظرات سريعة على شفتيها، ويعود ليلمس شعرها بعينيه ويسترسل في الحديث وكأن روحيهما تعرف بعضها منذ زمن بعيد. مر الوقت سريعًا وانصرف كلا منهم إلى طريقه وبعد أولى خطواتها تساقط المطر، ارتدت معطفها سريعًا لتحتمي منه وفي نفس الوقت كانت مستمتعة فهي من هواة الشتاء وأجوائه الساحرة وأرصفة الشوارع المضيئة من آثار الأمطار كالمرايا. ارتدت سماعات الأذن وأطلقت العنان لنغمات الست وهي تشدو "هذه ليلتي" فهي من مريدي إحساس الست ومتيمة بألحان العظيم عبد الوهاب، سلكت الطريق الأطول للمنزل لتستمتع بالأمطار والست وتستعيد نظراته الواثقة الساحرة الجذابة، وفي تلك الأثناء انتشلها رنين الهاتف لتعود إلى هنا لتسكن التمثال الجليدي من جديد.

مشاركة :