إبداعات البوابة| اتزان قصة قصيرة لـنهى جلال

  • 5/6/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بداخلي لاجئ يبحث عن وطن.. يُحيرني أمره كثيرًا فهو متعدد الهويات، ومشاغب إلى حد كبير، ومتمرد ايضًا..ولكنه -إنسان- يحمل جميع الصفات التي تؤهله لهذا اللقب صفاء القلب، سلام وإتزان نفسي برغم ما لاقاه من معاناة ويحمل على وجهه إبتسامة ساحرة طوال الوقت.. يتسلل إلى بعد منتصف كل ليلة ليكشف لي سر جديد أو معلومة جديدة واحيانًا يطوي ورقه من داخل دفتر تجاربه ويتركها تحت وسادتي. يمتلك جزء لا يُستهان به من النُضج فهو له آراء ومسميات خاصة به وحده.. نظرته ثاقبة لأبعد حدود.. يستطيع فرضها على جميع من حوله وإقناعهم بشتى الطرق ولم يستغرق الأمر معه كثيرًا فهو مُبهر دائمًا.. يمد يده إلى أحيانًا ويصطحبني معه إلى عالمه لنخوض معا جولات عديدة داخل عيون البشر منها المثيرة.. والسطحية أحيانًا.. يُذكرني بعد كل جولة بإنه غريب يبحث عن موطنه وسوف يرحل عندما يجده وكنت أومئ له برٱسي علامة الموافقه.. اعتدت على تلك الجملة فهو يرددها منذ سنوات عِده.. تشاجرنا سويا عند أول مرة ردد هذه الجملة أمامي ولكنني أدركت سريعًا أن الصراع بيننا سيُقيم حربًا نحن في غنى عنها.. عقدنا معاهدة سويًا أن نترك مساحة سلام بيننا لنُكمل طريقًا بهدوء.. وفي تلك الليلة من الخريف القاتم الحزين أتاني مُسرعًا نظر لعيني مباشرةوهو يلهث ليخُبرني بكلمات سريعة وانفاس متقطعة بٱنه وجد موطنه أخيرًا تحرك بعشوائية يلملم اشيائه.. تابعته بخوف..انزعجت كثيرًا عندما تخيلت بٱنه سيرحل ويتركني هنا وحيدة ف رحيله يُشعرني الأن بالخطر.. ولكنه الليلة لا يُبالي لم يلحظ نظرات الفزع وملامحي التي كساها التوتر.. تابعته في صمت حاولت أن أساعده ولكنني لم أقو جلست بعيدًا أتابعه وهو يهرول هنا وهناك وعندما انتهى من جمع أشيائه - رحل- دون أن يودعني أو يمسح على رٱسي لٱطمئن.. جلست أعيد شكل حياتي بدونه وأنا مقتنعة بٱن عاجلًا أم آجلًا كان لا بد أن يأتي ذلك اليوم.. بعد مرور ما يُقرب من الساعات الثقيلة من الشرود والحيرة والتوتر إستعنت بتراكي المفضل استمعت اليه مرات ومرات وفي كل مرة كان يزيل جزء من توتري حتى استسلمت للنوم رٱيته في منامي يركض سريعًا وهو يردد اسمي ويلتفت يمينًا ويسارًا يبحث عني كطفل فقد وطنه للمرة الثانيه..استيقظت وأنا أردد اسمه أيضًا ولكني أدركت بٱنه حلم مجرد حلم.. وقمت بالاستعانة بالتراك ثانية لأخرس الضجيج الذي التهم رٱسي وهكذ وهكذا لم أفعل أي شيء ٱخر استسلم للنوم كل ليلة لٱستيقظ مفزوعه وانا أردد اسمه.. أستعين بالموسيقى لتهدئ من روعي.. ثلاث ليالي لم يتغير فيهم سوى التاريخ.. وفي الليلة الرابعة ارتجفت وكأن الخوف أقسم أن يحتل أنفاسي ويطاردني استيقظت في الظلام أبحث عن شعاع ضعيف يقودني إلى اللا شيء ربما.. تجولت في الظلام لاستعين بذلك التراك الحنون كي أطرد الخوف من داخلي مدت يدي وهي ترتعش لٱوقظ الموسيقى وإذا بيد تضمها برفق تراجعت خطوات للوراء واليد تجذبني اليها إستسلمت سريعًا داخل أحضانه نعم تلك هي رائحته رائحة الٱمان والقسوة معًا احتضنني بقوة.لم أدر كم مر من الوقت وأنا هُناك بداخله جذبني بهدوء، جلس أمامي أشعل الشموع ظهرت ملامح وجهه تدريجيًا.. ملامح حزينة.. تائهة.. مُشردة.. ملامح لاجئ كهل ضعيف.. احتضنته دون أن أهمس بحرف ارتمى داخل أحضاني واستسلم وبكى كثيرًا.. وحدثني عن الوطن قائلًا.. الوطن ليس الذي فُرض عليا ولم أختره.. أسرفت سنوات من عمري في البحث عن ٱرض..هواء.. أمان.. لم أجدها سوى هنا فأنت ٱرضي.. وأنفاسك الهواء.. وحضنك هذا قالها وهو يرتمي داخل حضني مُجددًا ويتنهد بعمق موطني الذي أحيا وأريد أن أموت وٱدفن داخله..

مشاركة :