إبداعات|| آخر ليلة.. نص لـنهى جلال

  • 12/25/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

آخر ليالي العام الذي لم أدرك ملامحه.. في الواقع، هو العام الذي لم تتشكل له ملامح منذ بدايته، ولكن حفرت تلك الليالي بداخلي ثغرات، و ندوب، و بعض الحنين، ومعهم قليل من الأمل. في هذا العام تحديداً، أو (الدهر) في ظني، وبحساباتي البسيطة، أيقنت بأن تلك الملامح التي تحدثت عنها فيما سبق لم تكن تعني سوى هراء و لحظات طيش و أمل زائف؛ وكذلك أشخاص زائلين، كنت أظن الأيام تتشكل أمامهم، والهموم ترحل بوجودهم، والأمان يحتل عروقي عند ذِكرهم في المجالس. كنت أظنني محظوظة!! أقمت لهم الحفلات، واحتسيت معهم مشروبي المفضل، ولم أكن أتخيل أن يدسوا سمومهم تلك بيدي. نعم، بيدي أنا وليس بأديهم، كنت من يُسمم نفسي عندما منحتهم الجزء الأهم داخلي وهو الحقيقة. وقتها، لم يخطر ببالي أبداً أنهم راهنوا على سلبي جميع أنواع الثقة والأمان، يلملموا نقاط قوتي ويعلنوا نقاط ضعفي وقلة حيلتي، و يتركون أصابع الاتهام تحوم حولي ويرحلون. تلك الأصابع أيضاً كانت لي، ربما لأني، وقتها، لم أكن أرى سواي، مجرد امرأة مهزوزه بإبتسامة باهته مزيفة، و دموع متحجرة كانت تعطيني لمعه يحسبها جميع من ينظر إليَّ وكأنها شرارة حب، ووميض قوي تتخلله بعض الأنوثة والثبات. ومع مرور العام ومحو جميع ملامحه، بدأت ليالي عام جديد تهبط على جدار القلب بثقل وبطء، وظلام يدهس روحي دون استئذان، يُدخلني في نوبة هلع وفزع، وأحياناً فقدان للوعي. كانت تلك إشارات لدخولي إلى بوابة جديدة من الفوضى وبعض الصمود، والكثير من أزمات الثقة بجميع من يمروا بجانبي، أو يمدون أيديهم لمصافحتي. لم أثق في بائع الطعام، الطبيب، سائق التاكسي، الشوارع المظلمة، مرايتي. حالة من انعدام الثقة تتردد داخلي لعام كامل ثقيل مُرهق، يقترب خلاله الموت، ويبتعد ويقترب، و يقف مثلي حائراً؛ ولا زال يجلس بنفس زاويتي يرمقني بحيرة.. لكني لا أبالي.. تلك الليالي اللعينة حفرت أجراس داخل رأسي، لم تهدأ، تذكرني بجميع ما مررت به، وكل شيء فقدته بقصد بدافع الخوف، ودون قصد.قلبي تتسارع نبضاته الآن. تذكرت ليلة ليست بعيدة، ولا أريد سرد تفاصيلها، لأنها لعينة، تدخلني في بؤرة تشبه المستنقع -إن صحت عبارتي- ولكنها كذلك مستنقع مُخيف، هواءه رطب، ثقيل، متقلب، ملوث؛ وأتشممه الآن. فقط أضع عطري ليقضي عليه، يهدأ قلبي قليلاً، وتنتظم أنفاسي، واستسلم للنوم؛ ليس لأنه أتى، ولكن أشعة الشمس بدأت تحتل الظلام. أكره الشمس كما تعلمون، لذلك سأترك لها المجال وأعود آخر ليلة كي أودعكم و ابدأ عام جديد أشكل ملامحه وألاحق لياليه، وأهدم جميع مستنقاعته المخفية، وأطرد جميع الزائفين بسبب أو بدون سبب. جميع من هددوا سلامي النفسي سوف أرسلهم إلى الجحيم. مكانهم الآمن لهذا العام الجديد.

مشاركة :