ضعف الدولة يفقد تونس قبضتها على ثرواتها الطبيعية | سناء عدوني | صحيفة العرب

  • 9/22/2020
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

أحدث قرار تونس ببدء استيراد الفوسفات من الجزائر تبعا للفشل الحكومي في تسوية اعتصام الكامور واستعادة الإنتاج رجة كبيرة داخل الأوساط الاقتصادية التي اعتبرت هذه السابقة خطيرة في بلد ينتج ويصدر هذه المادة ما بات يحمل دلائل حسب خبراء عن ضعف كبير في الدولة أودى إلى فقدان القبضة على الثروات الطبيعية. تونس – يجمع خبراء في الاقتصاد والأمن أن الدولة التونسية باتت في مرحلة ضعف كبيرة حيث يوحي فشل الحكومة في إعادة نسق إنتاج النفط والفوسفات بشلل داخل السلطة التنفيذية التي خيرت الهروب من الأزمة إلى ما يرهن سيادة البلد على ثرواته ويزيد من الغرق في الدمار الاقتصادي. ومن المنتظر أن تصل إلى موانئ تونس قبل موفّى شهر سبتمبر الجاري، أوّل شحنة من الفوسفات من الجزائر وذلك ضمن خطّة للمجمع الكيميائي التونسي تقضي بتوريد 40 ألف طن شهريا، بما يتيح تكوين مخزون ومواصلة إنتاج الأسمدة الكيميائية بنسق عادي. وتأتي هذه المبادرة في إطار تواصل اعتصام الكامور جنوب البلاد الذي يمنع كل عمليات الإنتاج والضخ في الحقول النفطية تحت يافطة مطالب اجتماعية. وسبق وأكد رئيس الحكومة الجديد هشام المشيشي يوم استلام مهامه رسميا خلال جلسة منح الثقة بالبرلمان على أن أوليات حكومته ستكون استعادة النسق العادي لإنتاج النفط والغاز والفوسفات. ولكن خبراء أكدوا لـ”لعرب” أن خطوة الحكومة هي سابقة خطيرة تعكس ضعفا كبيرا في أجهزة الدولة بات يهدد استمرارية المرافق العامة حيث أن المشيشي أكد مواصلته في نهج المفاوضات مع المحتجين الأمر الذي أثار حيرة اقتصاديين نظرا للوضع الاقتصادي الخطير الذي تعيشه تونس. نادر حداد: تم إضعاف الدولة اقتصاديا منذ ثورة يناير 2011 نادر حداد: تم إضعاف الدولة اقتصاديا منذ ثورة يناير 2011 وتمر تونس بأزمة اقتصادية غير مسبوقة زادت جائحة كورونا في تعميقها ما يجعل حسب محللين التواصل في المفاوضات يقلص من هوامش محاصرة الأزمة بل يزيد من اتساعها نظرا لفقدان كافة هوامش المناورة الاقتصادية. وفي هذا السياق أكد الخبير الاقتصادي نادر حداد في تصريح خاص لـ”العرب” أن “استيراد الفوسفات سابقة في تاريخ تونس حيث لم يحصل ذلك حتى في أكبر الأزمات وهو يمثل إنذارا جديدا إلى جانب الإنذارات المتعاقبة طيلة السنوات الأخيرة”. وأضاف “لقد تم رفع ناقوس الخطر الاقتصادي والمالي مرارا أن وضع المالية العامة يعيش تدهورا مستمرا وأن البلد يكافح ارتفاع الدين العام الذي سيفوق نسبة 100 في المئة”. واستغرب الخبير من توجه رئيس الحكومة إلى مواصلة المفاوضات مع المعتصمين مؤكدا “مع كل هذه المؤشرات والإنذارات حكومة هشام المشيشي تواصل التفاوض وهذا أمر غير مقبول بتاتا”. ودعا حداد الدولة إلى التعامل بقوة في هذا الملف مشددا على أنه “لا مجال لمزيد تعطيل عمليات نقل وإنتاج وتصدير الفوسفات”. وبلغ عجز ميزان الطاقة لتونس نحو 1.71 مليون طن مكافئ نفط خلال موفى مايو 2020 مقابل عجز بنحو 2.09 مليون طن مكافئ نفط خلال نفس الفترة من 2019، أي بتحسن بنسبة 18 في المئة، حسب نشرية لوضع الطاقة أصدرتها الوزارة في 7 يوليو 2020. وقررت شركات نفطية تنشط في حقول الجنوب التونسي الانسحاب وإيقاف أشغالها مدفوعة باستحالة العمل مع تواصل الاعتصامات والاضطرابات التي تسببت في تقويض نشاطها. وسبق وأعلنت الشركة النفطية النمساوية “أو.أم.في” منذ أسابيع عن إيقاف أشغالها في تونس في ظل تواصل اعتصام الكامور جنوب البلاد ما رفع منسوب الخطر الاقتصادي، واعتبر خبراء أن ذلك القرار ضرَب مناخ الأعمال وسمعة البلد. وأشار الحداد إلى أنه “تم إضعاف الدولة بعد ثورة يناير 2011 وكذلك تداعيات ظهور صندوق النقد الدولي وعوامل أخرى تتعلق بإغراق القطاع العام بالوظائف الوهمية والتوظيف العشوائي”. وأضاف “هناك ما يقارب 80 وظيفة شبه وهمية تم إنشاؤها خلال حكومة الترويكا (حكومة ترأستها حركة النهضة في 2012) وفوضى الإنفاق أضعف المالية العامة وتسبب في تدهور الخدمات خصوصا في مجالي الصحة والتعليم”. وأرجع الخبير نادر حداد في سياق آخر تزايد الإنفاق العسكري إلى إرباك الخدمات الأخرى مشددا على أن “الضربات الإرهابية دفعت إلى مضاعفة الإنفاق الأمني والعسكري ما حتم على الدولة تحكيم خياراتها وفق الأولويات وهو ما حصل وزاد من تردي خدمات القطاعات الأخرى”. من جانبه أكد الخبير الأمني عمار ودرني وهو عميد متقاعد من الجيش الوطني لـ"العرب" أن “استيراد الفوسفات يعود إلى ضعف الدولة وتمرد الجميع عليها مشددا على أن الحكومات المتعاقبة كانت حكومات هواة سلطة لخدمة أهداف حزبية”. وأضاف “على الدولة ألا تساوم في حرمتها ولا تتهاون في مقوماتها خصوصا منها مواردها ولا سبيل لتعطيل الإنتاج والخدمات ومن يريد التعبير عن مطالب اجتماعية يتوجه إلى البرلمان أو مقر رئاسة الحكومة”. وشدد على أن “التطاول وتعطيل النمو غير مسموح وعلى الحكومة ضمان التسيير العادي والطبيعي للمرافق العامة”. عمار ودرني: استيراد الفوسفات يعود إلى ضعف الدولة وتمرد الجميع عليها عمار ودرني: استيراد الفوسفات يعود إلى ضعف الدولة وتمرد الجميع عليها وتستمر الاحتجاجات والاعتصامات في الجنوب التونسي ما دفع الشركات إلى التلويح في عدة مناسبات بسحب أنشطتها من البلاد، الأمر الذي يضاعف الخيبات الاقتصادية في وقت تستعد فيه الحكومة الجديدة للبدء في تنفيذ الإصلاحات التي كان على رأسها إعادة إنتاج النفط والفوسفات. وتمّ غلق محطّة ضخّ البترول بالكامور منذ 17 يوليو 2020 في حركة تصعيديّة لاحتجاجات شباب المنطقة المطالبين بحقّهم في التشغيل وفي التنمية. ويرفض المعتصمون إعادة تشغيل المحطّة إلاّ في حالة تنفيذ جميع بنود اتفاق الكامور، الذّي تمّ توقيعه مع الحكومة منذ 16 يونيو 2017. وسبق وأرسلت الشركات الأجنبية النفطية الأخرى الناشطة في المنطقة والمتضررة من وقف الإنتاج طلبا رسميا لرئيس البلاد قيس سعيّد، للتدخل وحل الخلاف بين المحتجين والحكومة. وهددت في نص المراسلة التي نشرتها وسائل إعلام محلية، بوقف أنشطتها وطرد “الآلاف” من العاملين. وتضم صحراء تطاوين ستة حقول نفطية تستثمر فيها شركات أوروبية. وليس في تونس حقول ضخمة لاستخراج النفط والغاز، ولكن سكان تطاوين ينتظرون تحقيق تعهدات حكومية لرفع التهميش المستمر منذ عقود. وتناهز نسبة البطالة في تطاوين 30 في المئة وهي من أعلى المعدّلات في البلاد. وسبق ووجه محافظ البنك المركزي التونسي إنذارا حول وضعية المالية العامة في البلاد نظرا لتقلص قياسي في الإيرادات نتيجة تعطل أكبر مصادر التمويل المتمثلة في عوائد الطاقة جراء الاعتصامات. وحذرت وزارة الطاقة والمناجم من تواصل تعطل الإنتاج، حيث أكدت حجم الخطورة بإعلانها عدم قدرتها على سداد مزودي الطاقة نظرا لشح موارد الدولة من العملة الصّعبة، وتعطّل السّياحة، وتوقّف آلة الإنتاج في الفوسفات ونشاط المجمع الكيميائي، وإيقاف الإنتاج من النفط والغاز. وأكّد محافظ البنك المركزي التونسي مروان العبّاسي أنّ “خطة إنعاش الاقتصاد التونسي لا بد أن تمر أوّلا وقبل أي شيء عبر استئناف نشاط الفوسفات والمحروقات، الذي تسبب تعطله في نقص ملحوظ في إيرادات البلاد”.

مشاركة :