استقالة الحكومة تربك التزام تونس ببرنامج صندوق النقد | سناء عدوني | صحيفة العرب

  • 7/23/2020
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

دخلت تونس في منعطف خطير اقتصاديا بعد استقالة الحكومة حيث تسبب ذلك في ارتباك التزاماتها المالية ورفع مخاطر الجدارة الائتمانية للسيولة فضلا عن ضرب سمعتها وتصنيفها السيادي، وبالتالي مستقبل تعاملاتها التي باتت على محك الاضطرابات ما ينذر بسيناريوهات معقدة قدرها خبراء بالتخلف الجزئي أو الكلي عن سداد الديون. تونس - تسير المؤشرات المالية التونسية في طريق من الألغام وتوشك جميعها على الانفجار بالنظر إلى تعطل النمو وارتفاع البطالة وارتفاع حجم الدين، الأمر الذي يقود إلى هزة اقتصادية خطيرة يصعب الخروج منها على اعتبار انهيار كل محاولات الإصلاح ومواصلة التخبط في مسار التذبذب السياسي. وأكد خبراء لـ”العرب” أن استقالة الحكومة خلال هذا الظرف المالي الحساس ستتسبب في إشكاليات كبيرة لاسيما مع ارتفاع غير مسبوق في نسبة الدين الخارجي التي أصبحت تقدر بنحو 85 في المئة. وكان من المنتظر أن تجري مفاوضات رسمية خلال الأسابيع القادمة مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل، غير أن استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ إثر إدانته في قضية تضارب مصالح على علاقة بشركة له أسهم فيها تتعامل مع الدولة عطلت مسار هذه المحادثات. وقدم وزير المالية نزار يعيش خلال ندوة صحافية الثلاثاء العديد من الأرقام التي أكدت خطورة الوضع الراهن، حيث أكد أن المداخيل الجبائية سجلت انخفاضا غير مسبوق بلغ خلال النصف الأول من العام الجاري نسبة 12 في المئة وانخفضت قيمة الضريبة على الدخل بنحو 1.2 في المئة. وسجلت الضريبة على الشركات انخفاضا سلبيا حيث بلغت 30 في المئة فيما توقع الوزير أن يبلغ العجز في الموازنة نحو 7 في المئة خلال العام الجاري. وسبق أن ذكرت وزارة المالية أن تونس ستطلب بضع المئات من ملايين الدولارات بحيث يكون البرنامج الجديد مع صندوق النقد وفق انطلاقة تصوّر وإستراتيجية جديدة للحكومة. ولكن إستراتيجية تونس لم تعد ذات جدوى بعد التغييرات السياسية وبدء مسار تشكيل آخر، لا يتوقع أن ترى النور قريبا، من أجل منحها الثقة وفق تصورات مغايرة وهو ما سيترتب عنه تعطل منح تونس مساعدات جديدة في الوقت الحالي. وقال الخبير الاقتصادي نادر حداد إن “تغيير الوزراء يقلل من ثقة المؤسسات المالية الدولية والدوائر المانحة في تونس ما يضاعف جبل التحديات أمام البلد المنهك اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا”. وأضاف أن “وقع أزمة كورونا كان أشد تأثيرا على البلدان الضعيفة اقتصاديا ومنها تونس التي تعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي والتي تعيش من شراكاتها التجارية”. وتابع أن “بعد ثورة يناير 2011 لجأت تونس إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي ولإصدار سندات في السوق المالية الدولية لتعبئة موارد للموازنة ولسد الفجوة فيها وهو الأمر الذي واصلت فيه كل الحكومات لتصل نسبة الدين في النهاية إلى هذا المستوى الخطير”. وأوضح الخبير أن حالة عدم الاستقرارعلى كل المستويات آلت إلى تعطيل أهم محركات النمو وهو إنتاج الفوسفات، وهي عوامل أثرت على موقع تونس وعلى تصنيفها السيادي. وحذرت وكالة موديز تونس من مخاطر سيولة خطيرة ناجمة عن تغير الحكومات وشلل أجهزة الدولة وفشلها في إرساء إدارة ناجعة للهياكل الاقتصادية. وذكرت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية في تقرير حديث أنها وضعت تصنيف تونس السيادي في مستوى بي 2 مع وضعه قيد المراجعة للتخفيض في حال لم تسيطر السلطات على مستوى الدين العام. وشدد حداد على أن هذه الوضعية ستجعل من موديز تخفض التصنيف السيادي لتونس ما سينجر عنه صعوبات كبيرة للبلاد عند خروجها إلى أسواق المالية العالمية وما يجعلها عرضة للمخاطر السيادية التي تكلف الدولة نسبة فوائض أعلى. وتتخوف الأوساط الاقتصادية والاجتماعية من تكرر سيناريو لبنان في تونس حيث يشكل التأجيل أو التخلف عن سداد الدين مؤشرا على انهيار المقدرات المالية للبلاد. وحذر الخبير من أن السيناريوهات الأكثر خطورة هي اتجاه تونس إلى التخلف الجزئي أو الكلي عن سداد الدين على خطى لبنان بعد فشله في كل محاولات الإصلاح. ويرى خبراء أن تونس بدأت فعليا تسير نحو هذا المنعطف الخطير والذي تجلت ملامحه مع إعلان وزير التنمية والاستثمار سليم العزابي مؤخرا أن السلطات تتفاوض مع كل من السعودية وقطر وفرنسا وإيطاليا لإرجاء مدفوعات القروض المتوقعة هذا العام وهي تأمل في ترتيب صفقة جديدة في غضون أربعة أشهر مع صندوق النقد الدولي. وتقول السلطات إن الخطوة تهدف إلى تخفيف الأعباء المالية من القروض وفوائدها، التي تثقل كاهل الميزانية العامة وذلك بطلب إرجاء سدادها في الوقت الحالي، لكن خبراء اعتبروا الأمر مؤشرا خطيرا على اتساع رقعة الأزمة الاقتصادية. ولكن خبراء أكدوا لـ”العرب” أن هذا القرار المفاجئ يعتبر سابقة في تاريخ تونس وهو يتجاوز مرحلة الحلول الترقيعية ليصل إلى احتمالات أكثر خطورة ما لم يتم تفكيك عقبات الفساد والبيروقراطية المتراكمة والمكبلة للنمو. ويؤكد الطلب المتعلق بتأجيل سداد الديون الحالة السيئة للمالية العامة لتونس، التي كانت بالفعل مصدر قلق قبل أن تضرب أزمة فايروس كورونا الاقتصاد العالمي. وتجمع الأوساط الاقتصادية على أن الوضع كان متأزما قبل الوباء، إذ لم تشهد القطاعات الإنتاجية عودة حقيقية وظل مردودها متدنيا، ما كبل الدولة على تحقيق الإيرادات اللازمة وبالتالي بلوغ نقطة التوازن، وهي الأسباب التي أوصلت تونس إلى نفق مظلم. وضرب الركود كافة القطاعات خصوصا قطاع الخدمات والصناعة والتجارة والسياحة والتي تعد مصادر حيوية لتحقيق النمو وتعطل ما غذى مؤشرات الانكماش وقلص العائدات والأرباح. كما ارتفعت نسب البطالة بشكل خطير نتيجة نقص الاستثمار وتسريح الشركات للعديد من العمالة نظرا لمحدودية الطلب في السوق وركود القطاعات الحيوية. وكانت التجاذبات السياسية والصراعات بين الأحزاب قد تسببت في عرقلة تشكيل الحكومة الأولى بعد الانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي، ممّا اضطر الصندوق للانتظار حتى تشكيل حكومة جديدة ليناقش معها المراجعة السادسة للبرنامج للإفراج عن شريحة قيمتها 450 مليون دولار. وكان صندوق النقد قد طالب تونس بتنفيذ إصلاحات لتحقيق نمو اقتصادي يصل إلى 2.7 في المئة وخفض التهرب الضريبي وترشيد الدعم للمواد الأساسية والمحروقات وبرنامج لإعادة هيكلة الشركات العامة التي تواجه عجزا ماليا متفاقما. وفشلت الحكومات المتعاقبة في كبح عجز الموازنة نظرا لتصاعد حجم النفقات الحكومية وتجاذبات سياسية واجتماعية عرقلت عملية الإنتاج والنمو، إضافة إلى تضاعف عدد الموظفين في القطاع العام مما زاد في إثقال كاهل الميزانية وإضافة أعباء جديدة.

مشاركة :