هل تمر واشنطن إلى التدخل المباشر في ليبيا؟ | | صحيفة العرب

  • 6/17/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

واشنطن- مازالت مسألة التدخل الأميركي المباشر في ليبيا تثير جدلا واسعا داخل الولايات المتحدة رغم أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تخفي دعمها السياسي لحكومة فايز السراج المدعومة بالميليشيات والإسلاميين من بوابة الشرعية الدولية. وتثير مواقف واشنطن المتسمة بالغموض بالنسبة لما يحدث في ليبيا أسئلة كثيرة في الداخل الأميركي وكذلك دوليا وذلك في الوقت الذي تدعم فيه تركيا ميليشيات حكومة الوفاق، فيما تلعب روسيا دورا داعما للجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر. وتحدثت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” في أواخر شهر الماضي عن إرسال روسيا مقاتلات إلى الجيش الوطني الليبي، وهو ما جعل واشنطن تتحرك للبحث عن موطئ قدم في ليبيا وذلك عبر إعلان “أفريكوم” أن الولايات المتحدة تبحث استخدام أحد ألويتها للمساعدة الأمنية في تونس وسط مخاوف بشأن نشاط روسي في ليبيا. وذكرت أفريكوم آنذاك في بيان “مع استمرار روسيا في تأجيج لهيب الصراع الليبي فإن القلق يزداد بشأن الأمن الإقليمي في شمال أفريقيا”، مشيرة إلى أنها “تدرس مع تونس طرقا جديدة لمواجهة القلق الأمني المشترك ويشمل ذلك استخدام لواءنا للمساعدة الأمنية”. كما هو الحال بالنسبة لسوريا، سوف تكون ليبيا أيضا رأس جسر ساحلي يطوق الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، خاصة إذا ما قامت روسيا بنصب دفاعات جوية متقدمة أو غيرها من الأسلحة وعلى عكس الكثير من الروايات التي تصنف الموقف الأميركي في دائرة الحياد والتذبذب، تشير تقارير كثيرة إلى أن الإدارة الأميركية هي من أعطت الضوء الأخضر للتدخل التركي في ليبيا، فيما أشهرت ضوءا أحمر منع قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من تحرير مدينة سرت من تنظيم داعش. ومع بروز تطورات جديدة، منها ما ذكرته مصادر سياسية ليبية بشأن وجود بوادر تحالف روسي فرنسي في ليبيا يعيد خلط الأوراق بما لا يخدم حكومة الوفاق وداعميها من الأتراك تدفع أوساط أميركية كثيرة إلى وجوب التدخل العسكري المباشر في ليبيا للمحافظة على مصالحها هناك. ويقول توماس تراسك الجنرال الأميركي المتقاعد، والنائب السابق لقائد العمليات الخاصة الأميركية في هذا الصدد، إنه لم يعد بمقدور الولايات المتحدة الآن عدم تغيير موقفها الذي يتيح لروسيا وتركيا مواطئ قدم مهم استراتيجيا في منطقة شرق البحر المتوسط. ويشير تراسك في تقرير نشرته مجلة ذا ناشونال إنترست الأميركية الاثنين إلى أن السفارة الأميركية في ليبيا كانت قد ذكرت أن واشنطن “فخورة بأنها شريكة” لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس والتي تدعمها الأمم المتحدة، وذلك رغم أن هذا النظام يهيمن عليه الإسلاميون وليس هناك أمل كبير في أن يحقق توحيد الصفوف في ليبيا. وفى الوقت نفسه، لم تضع الولايات المتحدة أي سياسة واضحة تجاه الجيش الوطني الليبي في طبرق. وأضاف تراسك أن الدبلوماسيين الأميركيين لم يقوموا بأي جهد في ما يتعلق بالقتال الدائر في ليبيا، واكتفوا في الغالب بتبني المبادرات الأوروبية الداعية لوقف إطلاق النار، ومؤخرا بدأوا في تنسيق السياسة مع تركيا. وفي ظل هذه الظروف تقدمت تركيا وروسيا لملء الفراغ في ليبيا ولكل منهما أهدافه. فنظرا لخوف أردوغان من انهيار حكومة الوفاق الإسلامية، عزز الدعم العسكري لقوات السراج بقوة، وفي المقابل ضمنت تركيا اتفاقا ثنائيا يعترف ظاهريا بمطالبها الإقليمية الساحلية في شرق البحر المتوسط. ويرى تراسك أن احتمال مواصلة من يدعمون السراج وحفتر إرسال تعزيزات عسكرية كثيرة إلى ليبيا، يمكن أن يتسبب في حالة من الجمود الدائم الأكثر دموية، وإلى زيادة الفراغ الأمني والتدمير المادي داخل ليبيا، وهو ما من شأنه تمكين تنظيم الدولة الإسلامية من الظهور مجددا والتسبب في زيادة تفشى فايروس كورونا سوءا في أنحاء البلاد- وأي من هاتين الحالتين أو كلاهما يمكن أن يدفع بتدفقات جديدة من اللاجئين نحو أوروبا. توماس تراسك: على واشنطن التحرك قبل تقاسم النفوذ بين تركيا وروسيا توماس تراسك: على واشنطن التحرك قبل تقاسم النفوذ بين تركيا وروسيا ويضيف أنه من الممكن أن تقوم تركيا وروسيا ضمنيا بالاتفاق على تقسيم ليبيا في ما بينهما، والقيام بعملية مماثلة لعملية أستانة التي بدأتها الدولتان من أجل تحديد مصير سوريا دون دور للولايات المتحدة. ومثل هذا الاتفاق سوف يروق لأنقرة وموسكو، خاصة أنه سوف يخلق مشكلات كثيرة للولايات المتحدة وحلفائها. فأي مجال نفوذ تركي في ليبيا سوف يمثل أول نجاح لأردوغان في دعم الإخوان المسلمين في أنحاء المنطقة- وهي سياسة هددت كثيرا كل دولة حليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. كما سوف يؤدى هذا إلى زيادة تشجيع دبلوماسية التهديد من خلال تعزيز مطالب أنقرة، مهما كانت غير مشروعة، في المياه الغنية بالطاقة الواقعة بين تركيا وليبيا. وسوف يهدد هذا مباشرة عملية تطوير الطاقة من جانب اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر، وهي كلها دول ترى واشنطن أنها تساعد في الحد من اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي الروسي. وبحسب تراسك من ناحية أخرى يمكن أن يكون التقسيم الفعلي لليبيا جذابا لموسكو لنفس السبب. فكما هو الحال بالنسبة لسوريا، سوف تكون ليبيا أيضا رأس جسر ساحلي يطوق الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، خاصة إذا ما قامت روسيا بنصب دفاعات جوية متقدمة أو غيرها من الأسلحة. ويرى الجنرال الأميركي أن هذه الاحتمالات المتوقعة تحتاج لقيادة أميركية تأخرت طويلا بالنسبة لليبيا والمنطقة على نطاق أوسع، إذ يجب على واشنطن تعيين مبعوث خاص لشرق البحر المتوسط لوضع حل لصراع ليبيا يتم التفاوض بشأنه . ومن أولويات هذا المبعوث الحد من دعم أنقرة لحكومة الوفاق الوطني، بما في ذلك إثارة خيار نقل الأصول العسكرية الأميركية من تركيا، وكذلك الحد من الدعم الروسي للجيش الوطني الليبي. ويؤكد تراسك أن التعاون في مجالات الدبلوماسية والطاقة والأمن بين شركاء الولايات المتحدة في المنطقة أمر مهم. فمن خلال الدعم التام للتحالف الجديد الذي تقوده مصر والذي يضم اليونان وقبرص وفرنسا والإمارات العربية المتحدة، وكذلك العلاقات المتنامية لليونان وقبرص مع إسرائيل، تستطيع الولايات المتحدة المساعدة في تعزيز شركائها في المنطقة كثقل موازن لكل من روسيا وتركيا. كما ينبغي بحسب تراسك على صانعي السياسات التحرك بسرعة. فكما توضح أحداث الأسابيع القليلة الماضية، يمكن أن تتحول ليبيا من “فكرة مؤجلة” إلى أزمة قبل أن تنتبه واشنطن.

مشاركة :