أول معرض استيعادي لفنان العمل الواحد في أوروبا | ناهد خزام | صحيفة العرب

  • 6/20/2020
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

“فنان العمل الواحد” هكذا وصف الفنان الإماراتي الراحل حسن شريف تجربته الفنية حين سُئل ذات مرة عن توصيف لها. هو فنان العمل الواحد كونه يتعامل مع تجاربه الفنية المتعددة بالطريقة والمفهوم نفسه المُتجاوز للأساليب التقليدية في التعبير عن الواقع. في تجربته الممتدة من بداية السبعينات من القرن الماضي وحتى وفاته عام 2016 مثّل فن الإماراتي حسن شريف انعكاسا للتغيرات التي طرأت على المجتمع الإماراتي والمنطقة العربية ككل، وفرضت تجربته نفسها على الوسط الفني الإماراتي والعربي كرافد جديد ومختلف عن الفكرة السائدة حينئذ حول مفهوم العمل الفني في صورته الكلاسيكية. وتقديرا لتجربة هذا الفنان الرائد يستضيف معهد “كي دبليو” في مدينة برلين الألمانية حاليا معرضا استيعاديا جامعا يضم نماذج من أعمال وتجارب الفنان المُختلفة تحت عنوان “أنا فنان العمل الواحد”، يعطينا هذا المعرض لمحة موجزة عن تجربته الثرية التي تُعدّ إحدى التجارب الهامة في حركة الفن العربي المعاصر، نظرا لتأثيرها الواسع على العديد من الأجيال الفنية اللاحقة. فنان مؤسّس يُنظم هذا المعرض الشامل لأعمال حسن شريف بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون ويستمر حتى 19 يوليو القادم، وهو يعدّ أول معرض استيعادي شامل يقام للفنان في أوروبا.يتتبّع المعرض تجربة حسن شريف الفنية منذ بداية السبعينات وحتى وفاته في العام 2016، وهو يأتي تكريما لتاريخه الطويل وتأثيره المتزايد على الحركة الفنية في الإمارات ودول الخليج العربي. ويضمّ المعرض 160 عملا من أعمال الفنان المختلفة، بما في ذلك الرسوم الكاريكاتورية الأولى المنشورة في الصحف، ورسومات القصص المصوّرة (كوميكس)، هذا خلافا للأعمال التصويرية والأعمال التركيبية والنحتية، وغيرها من الأعمال والوسائط الفنية المختلفة التي عمل عليها الفنان. حسن شريف يعدّ واحدا من أهم رواد الفن المفاهيمي في الخليج، وقد استكشف في أعماله الشكل والزمن حسن شريف يعدّ واحدا من أهم رواد الفن المفاهيمي في الخليج، وقد استكشف في أعماله الشكل والزمن ويُعد حسن شريف واحدا من أهم رواد الفن المفاهيمي والتجريبي في الشرق الأوسط، وقد استكشف في أعماله الشكل والزمن والموروث الثقافي، وعُرف تحديدا بتوظيفه للمواد الشائعة والمُهمَلة في أعمال التركيب التراكمية التي أنجزها، والمحمّلة عادة بانعكاسات اجتماعية وفلسفية عديدة. عمل شريف خلال مسيرته الفنية كفنان ومعلم وناقد وكاتب على تشجيع مشاركة الجمهور المحلي بالفن المعاصر من خلال ترجماته العربية للعديد من النصوص التاريخية الفنية، كما أسّس “البيت الطائر” في دبي عام 2007 بالتعاون مع شقيقه عبدالرحيم شريف كفضاء جديد للعرض ولحفظ الوثائق والأعمال الفنية. وأسّس كذلك مرسم الفنون في مسرح الشباب والفنون في دبي، ومرسم “المريجة” في الشارقة، وهي مشاريع دعمت المفاهيم متعددة الاختصاصات للفن المعاصر في الإمارات من خلال التطوير الإرشادي والمعارض المختلفة. وعُرضت أعمال حسن شريف في العديد من المهرجانات الفنية الدولية ومن بينها بينالي الشارقة في عدة دورات، وبينالي فينيسيا السادس والخمسين. ومنذ رحيله عام 2016 لا تزال أعماله ذات تأثير كبير لدى جيل الشباب من الفنانين في الإمارات العربية. ولد حسن شريف في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، وبدأ وعيه يتشكّل في وقت شهد العديد من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة، ففي أوائل الستينات اكتُشف النفط في منطقة الخليج العربي، والذي مثل بداية تحوّل كبير وهام في المنطقة كلها. سافر شريف إلى بريطانيا لاستكمال تعليمه هناك، وحين عاد إلى وطنه في بداية الثمانينات كانت مظاهر التغيّر تزحف على كل تفاصيل الحياة، ما دفعه للتفكير مليا في طريقة التعبير المناسبة عن هذه التغيّرات الجذرية. تبنّى الفنان أساليب فن ما بعد الحداثة في وقت كان المفهوم السائد للفن في بلده محاصرا في حدود الممارسات التقليدية، فكان ملهما لفنانين كُثُر غيره سعوا لاكتشاف هذه الممارسات الجديدة والتعرّف عليها. ترتيب زمني تركيب تراكمي تركيب تراكمي ينقسم العرض المُقام في برلين إلى عدة أروقة رُتبت زمنيا لتوضّح التطوّر المرحلي الذي طرأ على التجربة الفنية عند حسن شريف. وضمّت الأعمال نماذج كثيرة من الرسوم الكاريكاتورية المنشورة في الصحف العربية للفنان، إذ تفرّغ في بداية مشواره الفني للعمل كرسام كاريكاتير في صحف مختلفة. وإلى جانب الرسوم الكاريكاتيرية ثمة نماذج أخرى لرسومه في مجال القصص المصورة “كوميكس”، وهو يعدّ واحدا من رواد هذا المجال في الصحافة العربية. ويظهر المعرض في جانب كبير منه، صدمة حسن شريف إثر عودته إلى بلده من بريطانيا، صدمته إزاء المتغيّرات التي شملت كافة المجالات إثر اكتشاف النفط بمنطقة الخليج العربي، وكانت الطفرة العمرانية الكبيرة أحد مظاهر هذا التغيّر وكذلك الاحتكاك المتزايد بالثقافات الأخرى. كل هذه المتغيّرات عبّر عنها التشكيلي الإماراتي في أعماله الفنية بأسلوب يُراوح ما بين الصدمة والدهشة والتمسك بالموروث. ويضمّ المعرض أيضا مجموعة من المتعلقات الشخصية والصور والشهادات والوثائق والكتابات التي كان يسجل الفنان من خلالها يومياته في مرسمه وبيته. ومن بين الأعمال التجهيزية المُبكّرة التي أنجزها الفنان يبرز في المعرض عمله المكوّن من العشرات من القطع المصنوعة من الخيوط والأخشاب، وهي عناصر استخدمها الصيادون الإماراتيون في عملهم قديما. وتعكس الأعمال التجهيزية الأخرى في المعرض طبيعة الانفتاح الذي شهدته الإمارات في سبعينات القرن الماضي وامتلاء الأسواق المحلية بالعديد من البضائع المستوردة من كل مكان، من لعب أطفال وأدوات مطبخ وغيرها من الأغراض اليومية التي اقتحمت حياة الإماراتيين. واستخدم حسن شريف هذه الأدوات والعناصر التي صُنع أغلبها من البلاستيك لتشكيل العديد من الأعمال التركيبية ذات الألوان الجذابة. وبين هذه الأعمال مثلا عمل مكوّن من أربعة صناديق وضعت على أرضية القاعة في ترتيب هندسي ملأها الفنان بالمئات من الأدوات البلاستيكية المستوردة مُصنّفة حسب اللون والاستخدام. ثمة عمل آخر يمثل كومة ضخمة من الأحذية البلاستيكية تواجهك عند الدخول إلى القاعة الرئيسية. وعلى مقربة من التجهيز السابق ثمة عمل آخر بحجم كبير استخدم في تكوينه نموذجا تراثيا للمكنسة اليدوية (المقشة) المصنوعة من سعف النخيل في تكوين منتظم وتكرار زخرفي. فيلم توثيقي بعض من الكتابات التي كان يسجل الفنان من خلالها يومياته في مرسمه وبيته بعض من الكتابات التي كان يسجل الفنان من خلالها يومياته في مرسمه وبيته ضمّ المعرض فيلما تسجيليا عن حياة الفنان تحت عنوان “آلات حادة” للمخرجة الإماراتية نجوم الغانم، تم إنتاجه سنة قبل رحيل حسن شريف. واستطاعت الغانم من خلال مواهبها السينمائية والتشكيلية والشعرية إنتاج فيلم من تأليفها وإخراجها، ينبض بالروح ويرسم بالألوان ويعزف بالموسيقى مسيرة واحد من مؤسسي الفن التشكيلي بالإمارات. وبدأت معرفة نجوم الغانم بحسن شريف في عام 1982 تقريبا في مرسم المريجة بإمارة الشارقة. وكان التقارب في أفكارهما عن الفن الحديث والشعر الحديث والفكر الحديث سببا في رغبتها لإنجاز هذا الفيلم. وقالت المخرجة الإماراتية عن التجربة “كنت أريد صنع هذا الفيلم قبل ثلاث سنوات أو ربما أربع لكنه كان متردّدا، اتفقت معه على أن نبدأ على الأقل في المقابلات الصوتية، وبدأنا، وفي أثناء التسجيل بدأ يتحمّس للأمر. لكن عندما خضنا في التفاصيل وشرحت له كيف نريد أن نتناول الفيلم، شعر قليلا بالتردّد، وبعد مرور بعض الوقت وجدته يتصل بي ويدعوني لاستكمال الفيلم”. وأضافت “أعتقد أنه عندما علم أنه مريض أراد الانتهاء من الفيلم الذي بدأناه قبل فترة، وقال: دعينا نبدأ”. ويُظهر الفيلم شريف وهو يتحدّث عن طفولته وأمه ومراحل تعليمه وبعثته إلى بريطانيا لتعلم الفنون، ثم عودته إلى الإمارات وعن مشوار صعب خاضه بداية من الثمانينات وحتى وفاته لنشر أفكاره وأعماله التي شكّلت نقلة كبيرة في مفهوم الفن التشكيلي بالخليج. واستلهمت الغانم عنوان الفيلم “آلات حادة” من أدوات شريف في تطويع مواد مثل الأخشاب والمعادن والأسلاك والحبال لصنع أعماله التشكيلية. ولم تترك نجوم الغانم أداة من أدوات الفن لاستعراض مشوار حسن شريف إلاّ وسخرتها في الفيلم بداية من صوره الفوتوغرافية مرورا بأستوديو أعماله ولوحاته ومجسماته التشكيلية، وانتهاء بموسيقاه المفضلة التي وضعتها كموسيقى تصويرية. ونجوم الغانم مخرجة إماراتية من مواليد مدينة دبي عام 1962، وهي أديبة وشاعرة، شغلت منصب مدير الإعلام الجديد في مؤسسة الإمارات للإعلام، عضو مجلس إدارة في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. ومن المقرّر أن تنتقل الأعمال التي يضمها معرض حسن شريف في برلين لاحقا للعرض في مدينة مالمو السويدية في الفترة الممتدة بين بداية سبتمبر وحتى منتصف يناير 2021. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :