لا يبتعد مسلسل “كحل أبيض” عن الإطار الاجتماعي الذي تعوّدت الدراما السعودية تقديمه، غير أن التناول الدرامي بدا مغايرا إلى حد كبير. فطبيعة العلاقات التي تحكم مسار بعض الشخصيات في العمل اتسمت بالتحرّر والخروج عن القوالب التقليدية الجاهزة. “كحل أبيض” هو أحد الأعمال الدرامية السعودية التي عُرضت أخيرا على قناة “أو.أس. ياهلا”، وهو من نوعية الأعمال التي تسعى للخروج عن الإطار التقليدي أو الشائع للدراما السعودية، والتي تتمحور عادة حول الإطار الاجتماعي التقليدي أو العائلي بمضامين مختلفة، لتسلط الضوء على بعض العادات أو السلوكيات الاجتماعية السلبية. إلا أن العلاقات بين الشخصيات في “كحل أبيض” اتسم بعضها بالتحرّر، ولو من خلال جنسيات أخرى غير المرأة السعودية في حالتنا هذه، كالمرأة اللبنانية والمصرية والتونسية. وبعيدا عن فكرة التحرّر هذه ثمة مجموعة من النقاط الأخرى التي ابتعدت بالمسلسل عن الإطار التقليدي للأعمال السعودية. فالحوار هنا كان فارقا ويعد عاملا مؤثرا إلى حد كبير، وكذلك طبيعة العلاقات والتركيبة المختلفة للشخصيات ذات الأبعاد المُركّبة تبدو جديدة أيضا. إلى جانب ذلك جاء التصوير والمعالجة البصرية للمشاهد من توزيع الإضاءة واختيار الكادرات على قدر من التوفيق والتميز. و”كحل أبيض” من إخراج الأردني محمد حشكي في ثاني مساهمة له في الدراما السعودية بعد مسلسله “دون” الذي عرض العام الماضي على شبكة “فيو”، ولقي حين عرضه تجاوبا ملحوظا كأول مسلسل سعودي من نوعية الأكشن. أما التأليف فكان من نصيب الكاتب السوري نور الحجي الذي يخوض كذلك تجربته الثانية في الكتابة الدرامية داخل السعودية بعد مسلسله “اختراق” وهو من نوعية الغموض والإثارة. المخرج وكاتب العمل يبدوان متمرسين على مثل هذه النوعية من الأعمال التي تحمل قدرا من التشويق والإثارة البوليسية، وهي التوليفة نفسها التي ميزت مسلسلهما “كحل أبيض”. وتشارك في العمل مجموعة متنوعة من الوجوه الخليجية المعروفة، على رأسها تركي اليوسف وشيماء سبت والعنود سعود ومنى الزدجالية وعزيز غرباوي وجبران الجبران وفارس الخالدي. وهذا التنوّع الذي حفل به العمل وغير القاصر على الكوادر الفنية السعودية، يؤشّر إلى الدور المحوري الذي باتت تلعبه الدراما السعودية في الخليج العربي كأحد المراكز الصاعدة بقوة في الإنتاج الدرامي الخليجي إلى جانب الكويت، ما أهلها لاستقطاب العديد من الكوادر الخليجية والعربية خلال الفترة الأخيرة. المسلسل السعودي قدّم شخصيات ذات أبعاد مركّبة وأخرى متحرّرة، ما مثل نقلة نوعية في الدراما الخليجية ويدور المسلسل في إطار اجتماعي حول أماني التي تلعب دورها الفنانة العمانية منى الزدجالية، والتي تكتشف ارتباط زوجها سلطان (فارس الخالدي) بامرأة أخرى فتُصر على طلب الطلاق مضحية باستقرارها العائلي مع ابنتيها رهف وبسمة على العيش في كنف زوج لا يقدرها. وبالفعل تنفصل أماني عن زوجها وتقيم وابنتاها في بيت شقيقها، وتبدأ في وضع خطة للتعايش مع حياتها الجديدة برفقة وابنتيها. وفي محاولتها للبحث عن عمل مناسب تتقدّم أماني إلى أحد الشركات، لتكتشف لاحقا أن صاحبها جاسم (تركي اليوسف) كانت تربطه بها علاقة قديمة قبل زواجها من سلطان. على صعيد آخر تبرز شخصية آسر الذي يؤدّي دوره الفنان السعودي عزيز غرباوي، وهو شخص تبدو تصرفاته أقرب إلى الانحراف بسبب تدليل والدته حصة (شيماء سبت) له، وهو مهووس برهف ابنة أماني. وحين يدرك آسر أن رهف لا تبادله المشاعر نفسها يضع خطة لتخديرها والتقاط بعض الصور والفيديوهات التي تجمعهما معا، ثم يهدّدها لاحقا بنشر هذه الصور عبر الإنترنت. أمام تهديد وملاحقة آسر المستمرة لها تُقدم رهف على الانتحار ويتم إنقاذها في اللحظات الأخيرة. وفي الوقت الذي تكافح فيه رهف هذه التهديدات تنخرط في علاقة غرامية مع ابن خالها عزام الذي يحاول مساعدتها في تصديها لآسر. تتصاعد الأحداث مع الوقت حين يعين جاسم رجل الأعمال أماني كمساعدة ونائبة له في الشركة، ما يشعل نار الغيرة في صدر زوجته حصة، فتحاول تحريض ابنها المدمن على المخدرات للانتقام من والده. يحاول عزام التقرّب من آسر لكشف علاقته بابنة عمته رهف ويعرف بالفعل الأسباب الحقيقية وراء مطاردته وتهديده المستمر لها، فيحاول العثور على هذه الفيديوهات والصور بشتى الطرق لكنه يفشل. تتعقّد الأمور أكثر وتتشابك الأحداث حين تقرّر حصة زوجة جاسم تشويه وجه أماني بمادة حارقة مُستعينة في ذلك بإحدى الفتيات المصريات، غير أن المادة الحارقة تصيب زوجها جاسم بدلا من أماني فتهرب الفتاة وتختبئ في بيت حصة. تحقّق الشرطة في الأمر، وتحوم الشكوك بالفعل حول حصة. في هذه الأثناء يتزوّج جاسم من أماني ويسافران معا ليتلقى العلاج في الخارج، غير أن الزوج يفارق الحياة بعد أن كتب جميع أملاكه لزوجته الجديدة. تغادر حصة بيتها وهي تشعر بالهزيمة وتسعى للانتقام من غريمتها أماني بشتى السبل، فتحرّض ابنها آسر على نشر الفيديوهات التي صوّرها لرهف. وفي الأثناء يستولي مروان على شركة سلطان بعد أن تحايل عليه بالخديعة. المسلسل مليء بالحوادث الأليمة والتطورات الحادة، فخوف حصة من كشف جريمتها يدفعها إلى القتل، ويتم القبض عليها بعد اكتشاف جثة الفتاة المدفونة في حديقة منزلها. على مستوى الأداء التمثيلي تألقت الفنانة البحرينية شيماء سبت في دور الزوجة التي تحاول الحفاظ على أسرتها بشتى السبل، وقد استطاعت التعبير عن مشاعرها المتناقضة تجاه زوجها بجدارة. كما تميّزت الفنانة العمانية منى الزدجالية في دورها، وإن خلت انفعالاتها في بعض المشاهد من التعبير المناسب. وحفل المسلسل أيضا بحضور لافت للعديد من الوجوه السعودية الشابة، حيث تألقت العنود سعود في دور رهف، كما برز الفنان الشاب عزيز غرباوي الذي أجاد تجسيد دور الشخصية المُركّبة.
مشاركة :