يجري الرئيس التونسي قيس سعيد، الاثنين، زيارة “عمل وصداقة” إلى فرنسا، بدعوة من نظيره إيمانويل ماكرون. وعلى غرار المساعي لتعزيز العلاقات الثنائية، ستبحث الزيارة التطورات الإقليمية خاصة في ما يتعلق بالملف الليبي أمام قلق فرنسي من تمدد النفوذ التركي في شمال أفريقيا. تونس - تستأثر الزيارة التي يستعد الرئيس التونسي، قيس سعيد للقيام بها إلى فرنسا، باهتمام واسع في تونس وفي بقية دول المنطقة، وخاصة منها ليبيا، والجزائر، وصولا إلى مصر، وكذلك أيضا تركيا، بالنظر إلى توقيتها الذي يأتي في سياق إقليمي استثنائي، أعطى لحيثياتها ودوافعها ومضمون أهدافها وما سيترتب عنها من تفاهمات أو حتى خلافات، أبعادا ورسائل سياسية في اتجاهات مُتعددة. ويُنظر إلى هذه الزيارة التي يُفترض أن تبدأ غدا الاثنين، على أنها زيارة لافتة بكل المقاييس السياسية، لأنها تحمل بين ثنايا تفاصيل إطارها ما يكفي لوصفها بالحدث الذي سيُؤسس بنتائجه لمشهد سياسي وميداني جديد في علاقة بالمرحلة القادمة التي تبدو فيها المنطقة تندفع بقوة نحو تصعيد خطير ينفخ فيه التهور التركي بعناوين مُتضاربة. ووصفت الرئاسة التونسية هذه الزيارة، بأنها “زيارة عمل وصداقة”، وقالت في بيان لها، إنها “تأتي بدعوة من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وتُمثل مناسبة لتعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها بين البلدين، بالإضافة إلى التباحث في عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الدولتين”. لكن ما لم يقله بيان الرئاسة التونسية، إن هذه الزيارة التي تم الإعلان عنها أولا في باريس، وبعدها في تونس، تأتي في إطار تحركات سياسية مُتسارعة في المنطقة أملتها التطورات غير المسبوقة في ليبيا، التي ترافقت مع توتر مُتصاعد بين تركيا وفرنسا، أخذ أشكالا مُتعددة، وصل إلى حد تسجيل مناوشات بحرية قبالة السواحل الليبية كادت أن تتحول إلى اشتباك مُسلح. ولم تكن تونس بعيدة عن هذا التوتر باعتبار أن تلك المناوشات اندلعت بسبب محاولة وحدة بحرية فرنسية تفتيش سفينة شحن تركية يُعتقد أنها تحمل أسلحة وعتادا حربيا إلى ميليشيات حكومة السراج، تبيّن أنها رست قبل توجهها نحو ميناء مصراتة الليبية، في ميناء تونسي، وذلك في عملية تمويه أثارت علامات استفهام كثيرة، وسط توجس فرنسي واضح من غموض الموقف التونسي. وسعت فرنسا إلى التعبير عن هذا التوجس من خلال تسريب ملابسات تلك المناوشة البحرية إلى وسائل إعلامها التي نقلت عن مصادر استخباراتية قولها، إن سفينة الشحن التركية المذكورة كانت تحمل علم تنزانيا، ورست في ميناء قابس بجنوب شرق تونس، وذلك في خرق واضح لقرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص حظر السلاح على ليبيا. وبدا هذا التسريب بمثابة الرسالة السياسية التي أرادت فرنسا إيصالها إلى تونس، وذلك في محاولة لاستبيان الموقف الرسمي التونسي منها، وتبديد الغموض المُحيط بها، لاسيما وأن هذا الحادث ترافق مع صمت الرئاسة التونسية إزاء لائحة اعتذار فرنسا، التي ناقشها البرلمان، ولم يصادق عليها، حيث لم يرد الرئيس قيس سعيد على الأصوات التي طالبته بتحديد موقفه منها. ويبدو أن هذا الإطار العام للزيارة هو الذي دفع الرئاسة التونسية إلى تفادي عدم التركيز على تفاصيل ما وصفته بـ”القضايا ذات الاهتمام المشترك”، رغم أن كل المؤشرات تدل على أن الملف الليبي سيكون العنوان الرئيسي على طاولة المحادثات المُرتقبة بين الرئيسين التونسي قيس سعيد والفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي بات يؤرقه الدور التركي في المنطقة. ولا تُخفي فرنسا قلقها المُتزايد من التمدد التركي ليس فقط في ليبيا، وإنما أيضا في تونس، ومُجمل جنوب المتوسط، الأمر الذي جعلها تُصعّد من لهجتها تجاه تركيا، خاصة وأن هذا التمدد اقترب كثيرا من الخطوط الحمراء في علاقة بخارطة تقاسم النفوذ التقليدية، فارضا بذلك تهديدات جدية للمصالح الفرنسية في مُجمل المنطقة. فرنسا تسعى إلى تشكيل جبهة من الدول التي تستشعر الخطر من تفجر الأوضاع في ليبيا بسبب الدور التركي ورأى رافع طبيب، الخبير التونسي في الشأن الليبي، أن الرئيس ماكرون يُحاول تشكيل جبهة من الدول التي تستشعر الخطر من تفجر الأوضاع في ليبيا، وتظهير موقف موحد يدعو لإيقاف القتال، واستعادة المبادرة السياسية والمطالبة بإجلاء المرتزقة السوريين والمجاميع الإرهابية. وتابع لـ”العرب”، أنه في هذا الإطار، تتنزل الدعوة الفرنسية للرئيس سعيد الذي أوحت تصريحاته الأخيرة أنه يسعى إلى النأي بتونس عن التورط في المحاور المتصارعة على الساحة الليبية، ورفض محاولات الأتراك وحركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي تصنيف تونس الرسمية ضمن التحالف الذي يسعى أردوغان لفرضه ولو إعلاميا لدعم تدخله في الغرب الليبي. وفي إشارة فُهمت على أنها رسالة مزدوجة، استبق سفير تركيا لدى تونس، علي أونانير، زيارة الرئيس سعيد إلى باريس، بالتأكيد على أن بلاده “ليست بحاجة لدعم من أي دولة من دول جوار ليبيا لتقديم المساعدة اللوجيستية لحكومة فايز السراج”، مُعلنا في نفس الوقت أن بلاده ستقدم قرضا لتونس دون فوائد بقيمة 200 مليون دولار. واعتبر رافع طبيب أن الكثير من المواقف المُستجدة في المنطقة تُشير إلى أن لفرنسا فرصة مهمة لبناء موقف معادي للتدخل التركي خاصة بعد إعادة التموقع الجزائري أثر إعلان الجيش التركي تحويل قاعدة “الوطية” إلى مرتكز عسكري للحضور التركي، وتبلور موقف عربي رسمي معارض للتواجد التركي في غرب ليبيا. ويستنتج مراقبون أن فرنسا التي تستشعر خطر تلك التهديدات ستسعى إلى التأكيد على أن أمن واستقرار المنطقة هو أولوية بالنسبة لها، ولن تقبل باتساع الدور التركي في شمال أفريقيا، مهما كانت مُسمياته. اقرأ أيضاً: سعيد في باريس.. اختبار الحياد التونسي في الملف الليبي ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :