تونس – بعث الرئيس التونسي، قيس سعيد، برسائل مُشفرة إلى الفاعلين السياسيين داخل البلاد، وخارجها، تضمنت إشارات قوية عكست بمفرداتها وتعبيراتها التي لم تخل من المُصطلحات العسكرية والأمنية حجم المخاطر التي تُحيط بالبلاد نتيجة مُمارسات حركة النهضة الإسلامية التي دفعتها عزلتها السياسية إلى مُحاولة خلط الأوراق لإعادة صياغة معادلات المشهد السياسي العام في البلاد على مقاس أجندتها. وأعطى مكان وتوقيت إطلاق تلك الرسائل التي تتالت بشكل لافت خلال الأيام القليلة الماضية، بعدا إضافيا يعزز المخاوف التي ارتفع منسوبها من مخاطر انزلاق البلاد نحو مُربع العنف الذي صار لمس مؤشراته ممكنا من خلال التجاذبات الحادة الناتجة عن الأزمات المُتفجرة على المسارين الحكومي والبرلماني، والمُتنقلة إلى الشارع الذي يشهد حالة غليان غير مسبوقة. واختار الرئيس سعيد ثكنة تابعة للقوات الخاصة بالجيش التونسي، ومقر وزارة الداخلية ليوجه تلك الرسائل التي بدأها بالتأكيد على أن رئاسة الدولة “ليست بالكرسي الشاغر”، وأن رئيس الدولة يعمل بكل ما أوتي من قوة، على فرض القانون، وأن الوسائل القانونية التي ينص عليها الدستور تتيح له الحلول التي تضمن استمرارية الدولة، وأنه “لن يتوانی عن اللجوء إليها للحفاظ على الدولة وعلی مؤسساتها”. وأعرب في هذا السياق عن ثقته الكاملة في المؤسسة العسكرية للتصدي لما وصفه بـ”المؤامرات التي تُحاك في الخارج”. ونقلت الرئاسة التونسية عنه تأكيده خلال زيارة ليلية لفيلق القوات الخاصة بمنطقة منزل جميل من محافظة بنزرت، أن القوات العسكرية “جاهزة في كل وقت وفي كل مكان للضرب بالقوة كل من يتعدى على الدولة التونسية أو يفكر مجرد التفكير في ضرب الشرعية”. وأضاف ”لي الثقة الكاملة في المؤسسة العسكرية للتصدي للمؤامرات التي تحاك في الخارج، ولمن يريد أن يتآمر مع الخارج ضد الدولة التونسية”، مُشددا في الوقت نفسه على أن من يفكر في التعدي والخروج عن الشرعية “سيصطدم بحائط سيتكسر عليه وعلى أضغاث أحلامه”. ولم يُوضح الرئيس التونسي الأطراف المتآمرة على أمن البلاد، لكنه أشار في المقابل خلال زيارته لمقر وزارة الداخلية بتونس العاصمة، إلى أنه “يعلم جيدا حقائق وتفاصيل ما يقومون به، ويعلم جيدا ما يسعون إلى تحقيقه، والفوضى التي يسعون إلى إدخال البلاد إليها”. وأكد أنه “لن يقبل أن تكون تونس مرتعا للإرهابيين، ولا أن يكون فيها عملاء يتآمرون مع الخارج ويهيئون الظروف للخروج عن الشرعية”. ثم تابع قائلا “… رصاصة واحدة ستُواجه بوابل من الرصاص… من يتآمر على تونس من التونسيين لا مكان له في البلاد، وسيتحمل المسؤولية أمام الله والشعب”. وواصل الرئيس قيس سعيد تحذيراته، حيث قال مخاطبا الكوادر الأمنية أثناء زيارته لمقر وزارة الداخلية، “هناك جملة من المعطيات والأخبار والترتيبات، تعرفون القرائن والمآرب والأهداف التي يسعى البعض لتحقيقها”، لكنها “ستنكسر على جدران رجال الجيش والأمن، وستنكسر معها المؤامرات”. وتفتح هذه التحذيرات الباب أمام الكثير من الاستنتاجات التي يبدو أنها ليست معزولة عن حالة الهستيريا التي تنتاب بعض القوى السياسية، وخاصة منها حركة النهضة الإسلامية التي كثفت خطاباتها التصعيدية، ولاسيما أن الرئيس سعيد أشار إلى “الحسابات السياسية الضيقة”، وأكد على أنه “ليس من حق أي كان أن يُتاجر بفقر المواطنين وأوضاعهم الاجتماعية من خلال تأجيج الاحتجاجات الحاصلة”. وتتهم العديد من القوى والأحزاب السياسية حركة النهضة، برئاسة راشد الغنوشي، بالوقوف وراء تردي صورة المشهد السياسي والدفع به نحو مربعات خطيرة في مسعى لفك عزلتها السياسية، حتى أن عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر لم تتردد في اتهام هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين بالتخطيط لإدخال البلاد في نزاع حول الشرعيات. وحذرت خلال مؤتمر صحافي عقدته، الأربعاء، داخل مقر البرلمان، من خطورة سيناريو رئيس حكومة البرلمان الذي تسعى إليه حركة النهضة. واعتبرت أن ذلك سيؤدي إلى تنازع حول الشرعيات على غرار ما يحدث في ليبيا، وبالتالي دخول البلاد في ما وصفته بـ”ازدواجية الحكومات وفي اللاشرعية”. وحملت مسؤولية هذا التمشي من وصفتهم بـ”الإخوانجية” الذين “أظهرت الوقائع أنهم لا يمكنهم أن يتخلصوا من حقيقتهم كميليشيات وكجماعات تتحرك في إطار عمل إجرامي”، وذلك في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية، لافتة في المقابل إلى أن البلاد أصبحت “على كف عفريت، وأنها تُدار بورقات الضغط، وبمناورات خطيرة”. وشددت على أن استمرار راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان يُعد خطرا على الأمن القومي، حيث أصبح البرلمان في عهده “حاضنة للإرهاب وللعنف، وبمثابة قاعة العمليات التي تُدار منها العلاقات مع الإرهابيين والعائدين من بؤر التوتر”. من جهته، اتّهم نور الدين البحيري، رئيس الكتلة البرلمانية لحركة النهضة عبير موسي ونوابها، بأنهم يمهدون الطريق لقوى خارجية، للانقلاب على “الدولة التونسية المنتخبة”. ويرى مراقبون أن هذه الأجواء الناتجة عن حسابات ومعادلات فاشلة تعكسها حالة التعثر في المشروع الإخواني الذي تسعى حركة النهضة إلى تمريره، وما رافقه من خلط بين الأجندات، تهيئ مناخا يفرض على الطبقة السياسية، وخاصة منها القوى المدنية والحداثية، واقعا يجبرها على تغيير سياساتها باتجاه حسم مواقفها المتأرجحة في علاقة بحركة النهضة الإسلامية، ورئيسها راشد الغنوشي. اقرأ أيضا:
مشاركة :