رضا نايل يكتب : عندما نظر نحوي كلب

  • 6/25/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في ظهيرة مُملة وكأنها لعنة تحل في كل أيام أغسطس، كان جسدي قطعة مطاطية لزجة تنضح بلا توقف بالعرق، بفعل الرطوبة التي تمتص الأوكسجين كاسفنجة فأكاد أختنق، وكل شيء حولي مُتعب مُنهك جراء الحرارة التي يلفح لهيبها وجهي، فالقيظ في كل مكان بالعالم المكفهر حولي الذي يتحوّل للون الرمادي عندما يمتزج الهواء الساخن بالأتربة التي تثيرها السيارات المسرعة التي أراقبها من ظل شجرة وحيدة، وسط حقول منسية، وذاكرتي فارغة كبئر جافة، فالحياة ليست إلا مزيجًا من الأنفاس الساخنة المُتصاعدة من داخلي، وتلك الأتربة نفسها التي تثيرها السيارات المسرعة، والأيام كلها متشابهة وكأنها يوم واحد يتكرر دائمًا، أرى فيه هذا الكلب منعكسا في ظلي، وهو يلهث مخرجًا لسانه الأرجواني الباهت، ولعابه يتساقط، وبطنه يعلو ويهبط مع كل شهيق وزفير، فأنفاسه تتلاحق مُحدثة صوتًا أشبه بالحشرجة، وقد نحل شعره عن جسده الذي صار عِصِيّ خشبية تشكل هيكلًا لكلب، حتى ذيله الذي سقط بين قدميه الخلفيتين يبدو كقطعة من الجلد القديم الرث، وأذناه تتدليان كورقتين يابستين توشكان على السقوط، محركًا رأسه للخلف كلما لدغته الحشرات التي تستوطن جلده الأحمر الملتهب، فينظر نحوي وعيناه تدمعان في صمت، فقد توقف بشكل اختياري عن الكلام، لأن لا أحد يسمعه في عالم ملئ بالكلاب، فيظل بلا حراك يراقب الأرض وهي تدور، والأمطار تحول الأتربة إلى طين في الشتاء، فأرى الوجوه التي كانت تتشكل في الأتربة المتصاعدة من السيارات، في السحب المتراكمة في السماء، فأحدثها عن موعد تكفل القدر بتحديده منذ بدأ العمر، ولكني أجهل بأي أرض يحل، ليمنحني السعادة التي ربما تأتي بعد قليل، أو بعد عام ، أو بعد دهر، فأخذت نفسًا عميقًا وفكرت في بقايا سؤال منسي من الماضي، أن الأمر قد يكون ممكنا في الحاضر، فلم يعد بوسعي انتظار القدر، خاصة وأنا لست بغريب عن الجحيم، وكل ما أحتاجه لدخوله مرة أخرى وهو التخلص من مخاوفي، والاستجابة للكلب الذي كان بلا اسم، وبلا صاحب، فمازال ينظر نحوي وعيناه تسيلان بخطين فضيين لا يجفان في هذه الظهيرة الحارة الرطبة، فأجره وظلي وأقذفهما معًا تحت السيارات المسرعة.

مشاركة :