د. شريف عرفة يكتب: لماذا يرفضون الحداثة؟

  • 11/13/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أي شيء جديد ستجد من يحاربه، مهما كان مفيداً.. التلفزيون حاربه الناس لسنوات وتفاخروا بعدم وجوده في بيوتهم.. الهاتف الجوال امتنع عن شرائه كثيرون لشعورهم أنهم ملاحقون ومتاحون للمتصلين طوال الوقت.. أعرف شخصاً قاوم لفترة شراء هاتف ذكي بحجة أنه يحتاج هاتفاً وليس كاميرا ومتصفح للإنترنت.. ليس هناك أحد بمأمن من الوقوع في براثن التصلب الذهني والركون للمعتاد والقديم.. لدرجة أن الفيلسوف سقراط نفسه، حسبما نقل عنه أفلاطون في محاورة فيادروس - كان معارضاً لتعليم الناس القراءة والكتابة.. بحجة أنها ستضعف ذاكرتهم وسوف «يزرع النسيان في أرواح الناس» حسب تعبيره.. وما أجده ظريفاً حقاً، هو أن عجلة التقدم دارت، لدرجة أن كلامه هذا وصلنا مكتوباً! هناك نزوع داخلي لدينا للتمسك بما هو مألوف ومعتاد.. ويبدو أن مبعث هذه النزعة الغريزية هو احتياجنا العميق للشعور بالأمان.. الرغبة في أن نرى العالم من حولنا متماسكاً ومنطقياً كي نشعر بالاطمئنان كون الأمور تسير على ما يرام.. بينما عدم فهم الشخص لمتغيرات كبرى متلاحقة تحدث حوله، أمر يبعث في نفسه الخوف والقلق. تخيل شخصاً يركب سفينة تبحر في عرض المحيط، شاعراً بالأمان لأن الأمور تسير بشكلها المعتاد.. وفجأة قيل له: إن السفينة قد أصبحت بلا قبطان وتولى زمامها نظام ذكاء اصطناعي تتم تجربته لأول مرة وسط عاصفة مقبلة، بالتأكيد سيشعر بالقلق! أي شيء جديد غير معروف النتائج مسبقاً، ستجد من يعارضه استئناساً بالمألوف، خصوصاً لو كان لا يفهم طبيعة هذا التغيير وما يتوقعه منه.. لو كان راكب السفينة هذا - مثلاً - مهندساً ميكانيكياً، يدرك طبيعة الموقف ويهم نظام التحكم الآلي هذا، سيقل رفضه التلقائي وقد يؤيد هذا التغيير! إلا أن هناك عاملاً آخر يغفل عنه البعض، وهو أن التقدم في السن يلعب عاملاً هو الآخر.. إذ قد يواكبه بعض التصلب الفكري الذي ينبغي للإنسان أن ينتبه إليه ويحاول مقاومته.. والسبب اللا واعي لحدوث ذلك، هو أن ضعف القوة الجسدية قد يجعل الإنسان أكثر تجنباً للمخاطر، وقلة الطاقة تستدعي ترشيدها فيما هو معروف النتائج مسبقاً.. أي أن رفض الجديد قد يأتي هنا من باب تجنب المجازفة. مقاومة التصلب الذهني لا تأتي تلقائياً، بل باستمرار المطالعة وتوسيع المدارك ومواكبة ما يحدث في العالم حولنا من تغيرات.. واعتبار التفتح الذهني وتجديد المعارف والقناعات باستمرار لتواكب التطور الإنساني، فضيلة ذهنية عظيمة تميز الحكماء والعلماء. تخيل حياة شخص لا يزال ثابتاً على مبدئه بعدم امتلاك هاتف جوال.. أو تخيل حالنا لو اقتنعنا بكلام سقراط وتوقفنا عن تعليم الناس الكتابة.. وقتها لن تكون أمامك هذه السطور.. بل سأكون جالساً ألقى على مسامعك هذا المقال!

مشاركة :