يُلهِمُ الفيلم الأميركي الشهير “كوكب القردة” بكل نسخه مشاهديه من أنحاء العالم، ليقفوا برهة للتأمل عند تلك العلامة الفارقة التي اتسمت بها البشرية، بهيمنتها على الكوكب، واستعبادها للكائنات والحجر والشجر والمياه والهواء. وحين تدرك تلك القردة التي كانت في مختبرات الإنسان أن بوسعها أن تكون مثل مُستعبِدها، تتحول إلى قوة غاضبة يغذّيها الثأر والانتقام من زمن العبودية. غير أن الكوكب كله كوكب قردة، فما الفارق بين قرد بشعر طويل يكسو جسده وقرد آخر ناطق بلا شعر وبمعايير جمال مختلفة؟ ما دام الفعل هو ذاته. ولعل أكثر الكائنات سلمية هي تلك القردة التي اعتادت العيش للآلاف من السنين في جبالها وفي أعالي الأشجار، قبل أن يقتحم الإنسان حياتها ويصطدم معها. مثلها مثل بقية الضحايا. وحين نطقت تلك الكائنات، أخذت تطالب بـ”ستان” لكل منها، بعيدا عن العيش المشترك في الغابة ذات النظام الطبيعي ودورة الحياة. ولم يتوقف الأمر عند “قردستان” بل تجاوزه إلى “غرابستان” و”دبّستان” و”فأرستان” و”بعيرستان”. وراحت تلك الكائنات تتصارع في ما بينها من أجل حق تقرير المصير الحيواني. وبينما تدور المطحنة الذهنية في العقول، يأتي القرد الأبيض ليفصل بين الكائنات، ويهدّئ من روع هذه الجماعة ويضبط سلوك الأخرى. فارضا بروتوكولاته العادلة التي جرّبها الجميع في “أبوغريب” وغيره. ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الإنسان التعلّم من مدرسة الحيوان، فمنذ الجاحظ وابن المقفع وجورج أورويل ونحن نجلس في صف المملكة الحيوانية كالتلاميذ، دون أن نتخرّج في آخر الفصل الدراسي. وليس هذا غريبا. فالبقاء في تلك المدرسة أقرب إلى طبيعتنا الغرائزية من الارتقاء الوهمي عليها. لن يسمح لنا الكائنُ التكنولوجي ذو الذكاء الاصطناعي، في اللحظة الآتية، بمواصلة الإمساك بالمقود، لقد تقدّم علينا كثيرا. بات يرى بدائيتنا ويحللها، وسيقرّر في وقت ما أننا لا نصلح لحُكم الكوكب. لم يصنع الإنسان كوكبا لائقا، ولم يؤسّس سوى لـ”جنونستان” مثل تلك التي رسمها الشاعر الحاضر نزار قباني في مسرحية نادرة. مما كتبه فيها هذه الحوارية المدهشة “صوتُ غليظُ النبرَة ينبعث من مكبـِّرات الصوت في صالة المطار: هُنا جمهوريّة جُنُونِستَانْ. المرأة: أينَ وضعتَ الخارطة؟ الرجل: ولِماذا تريدينَ الخارطة؟ المرأة: أريد أن أفتّشَ عن هذه الدولة التي اسمُها جنونستان. في أيِّ قارَّةٍ تَقَع؟ ما هيَ لُغَتها؟ ما هو تاريخُها؟ كم عدد سكانها؟ الرجل: لا تُتْعِبي نفسَكِ. فلن تعثري عليها لا في كُتُب التاريخ، ولا في أطلس الجغرافيا، ولا بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. إنها دولةٌ مُختَرَعة، مَسلوقة سَلقا، كما تُسلق السباغيتي في عشرين دقيقة”.
مشاركة :