الكثير منا لديهم مواهب لم يستثمروها، مواهب كثيرة غمرها الانشغال في الوظائف أو تربية الأطفال وقلة الوقت المتاح أو تقلص الشغف نظرا إلى كثرة المشاغل الحياتية الصعبة. لكن مع فترة الحجر الصحي والعطلة الإجبارية التي عرفتها أغلب أصقاع العالم توفر أثمن شيء كان يبحث عنه الجميع، إنه الوقت، وقت طويل كل منا اختار بماذا يملأه، لكن الكثيرين عادوا إلى مواهبهم الدفينة والتي مثل كبتها مشاكل نفسية كبيرة. مثلا هناك من عادوا إلى الرسم، وجدوا مساحة زمنية ممكنة للريشة والألوان ولخيال مكبوت لسنوات وحتى لعقود، حيث حرر الحجر المنزلي الكثيرين. لكنه في المقابل أثر في الفنانين المحترفين بطريقة أخرى. عندما توقفت حركة الحياة بشكل به تام على سطح الكوكب بعد انتشار فايروس كوفيد – 19. كثرت المنشورات التي لحقت بها دراسات معمقة عن أثر الوباء على كل مجالات الحياة، وكيف أن العالم لن يكون كما كان بعد انتهاء فترة الحجر الصحي المطولة اتي اختبرتها كل شعوب الأرض وإن على درجات مختلفة من الحدة. ومن البديهي أن يطال هذا الأثر عالم الفن بكل أنواعه وأشكاله. وكثرت المقالات الدراسية عما تعرض له الفنان التشكيلي من ضغط مادي ومعنوي بسبب توقف حركة البيع والشراء في الصالات الفنية التي باتت مقفلة، كما انعدمت قدرته على الانضمام إلى معارض عالمية. أشارت الكثير من الدرسات إلى تبدل نظرة العديد من الفنانين متعددي الوسائط إلى فنهم وماذا يعني لهم وللآخرين. كذلك الأمر لم تبخل الصحافة العالمية عن تسليط الضوء على “اكتشاف” المئات من الأشخاص حول العالم مواهب كثيرة كفن الطبخ والزراعة والخياطة وفن الرسم أيضا بسبب اضطرارهم البقاء في المنزل لفترة طويلة ومفتوحة من الزمن. ولكن على الأرجح لم يتناول أحد في الصحافة هؤلاء الفنانين بالفطرة المنتشرين حتما في كل العالم الذين أهداهم دخول الكوكب إلى غفوة عميقة فرصة ذهبية قد لا تعوض كي يعودوا إلى ممارسة شغف طالما سكن قلبهم وامتزج بتفاصيل حياتهم اليومية. هؤلاء ينتمون إلى ما أطلق عليهم بهدف التقليل من أهمية أعمالهم الفنية، بالنسبة لهم بدرجة خاصة وبالنسبة للآخرين لاحقا، اسم “الهواة”. والفنان الهاوي هو غير المتفرّغ لفنه والذي يرسم في أوقات فراغه عندما ينتهي من عمله أو وظيفته اليومية. وقد أطلق على هذا النوع من الفنانين تعبير “رسام الأحد” لاسيما في فرنسا عندما كانت تعتبر بلد الفن وباريس مدينة الأنوار قبل أن تسلب منها نيويورك هذه الصفة لتصبح هي المركز العالمي للفن. تعبير وخاصة بالنسبة للفنان “الهاوي” لا يخلو من النظرة الدونية المُستخفة بجدية وقيمة الأعمال التي يقدّمها. ولمزيد من الوضوح يجب القول إن الفنان الهاوي هو غالبا من لم يتخرج من جامعة للفنون. ولهؤلاء وغيرهم من “غيرالمتفرغين للفن” أُسّست مراكز “غير جدية” تعلّم فن الرسم السياحي، إذا جاز التعبير، كحرفة مُسلّية ومُترفة انتسب إليها عدد كبير من ربات المنازل المُتفرّغات أو الأولاد أثناء العطلة الصيفية. المحترف والهاوي الفنان المحترف، الذي اختار بشجاعة الدخول إلى عالم الفن شغفا ورغبة بتأمين معاشه، خلافا للهاوي قادر على إمداد الآخرين بمعلومات قيمة عن كيفية تعاطيه مع فترة الحجر الصحية مثل انكبابه على العمل الفني (وقد أبدع فنانون كثر في هذه الفترة المفصلية من حياة البشرية) وقادر على مشاركة الآخرين بقسوة تجربته مع صعوبة عرض وتسويق أعماله خلال العزلة غير الاختيارية. أما الفنان “الهاوي”، الذي استطاع إقامة التوازن الخطر ما بين عمله في وظيفة وبين شغفه الأصلي للفن مع كل ما تتطلب إقامة هذا التوازن من تنازلات وشروخات في صرحه النفسي، قادر على الإشارة إلى أحوال نفسية من نوع آخر. أحوال مُشرقة، إذا أمكن قول ذلك، من شأنها أن تخفف من وطأة الكآبة التي فرضها الحضر على الفنان “المحترف” وأدت إلى سلبه قدرته على العرض والتواصل اجتماعيا مع الآخرين من أصحاب المؤسسات الفنية ومهتمين باقتناء أعمال فنية. وقد تكون القصة القصيرة والمُتخايلة التالي ذكرها أفضل وأبرز مثال على ما يمكن أن يقدمه الفنان غير المتفرغ للعمل الفني إلى الفنان المحترف من تحفيز ودعوة إلى الاستمرار في الإبداع الفني الذي يبقى بالرغم من الصعوبات الجمة، ضرورة وجودية للفنان المحترف والهاوي على السواء أرست قواعد ومسار حياته اليومية بشكل أو بآخر.
مشاركة :