في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، يبدو أن السلطات قررت منع الصحافيين من إيصال “وجع” المواطنين قبل الحصول على إذن من استخبارات الجيش “نظرا إلى الأوضاع الراهنة”. بيروت – منعت استخبارات الجيش اللبناني وسيليتي إعلام أجنبيتين من استصراح المواطنين في شارع الحمراء في بيروت، في ما يبدو أنه إجراء جديد اتخذته استخبارات الجيش “نظرا إلى الأوضاع الراهنة”. وكشف مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية (سكايز) عبر موقعه الإلكتروني أن عناصر أمن بلباس مدني اعترضوا الإثنين الماضي فريق عمل قناة “فرانس 24” ومراسلة محطة “بلومبيرغ الشرق” في بيروت وطلبوا منهم الحصول على ترخيص مسبق للسماح لهم بإجراء مقابلات صحافية مع المواطنين في شارع الحمراء، وهو واحد من أبرز معالم العاصمة بيروت. وقالت مراسلة “الشرق” مها حطيط لمركز “سكايز” “أثناء تصويرنا في شارع الحمراء توجّه صوبنا شخص باللباس المدني وعرّف عن نفسه أنه مؤهل من مخابرات الجيش، وبعد أن طلبْنا بطاقته وتأكدنا أنه من المخابرات، قال لنا إننا لا نستطيع التصوير من دون الحصول على إذن وتصريح من مديرية التوجيه في مخابرات الجيش، وأن هذا الإجراء جديد ويُطبّق في كل لبنان”. كما نشرت “فرانس 24” تقريرا عن الحادثة التي تعرض لها مراسلها في بيروت شربل عبود، وشرح الأخير كيف تم اعتراض عمله، وقال “طلب مني اثنان من العناصر بلباس مدني بطاقتي الصحافية وهوّيتي وقاما بتصويرهما، فاعترضت على ذلك وأخبرتهما أن ما يقومان به مخالف للقوانين، خصوصا وأنهما بلباس مدني وليسا مخوّلين القيام بذلك”، وبعد إجرائه سلسلة اتصالات بضباط في المخابرات للتأكد من صحة ما يقوله العناصر، أكدوا له أن هناك “إجراءات جديدة نظرا إلى الأوضاع الراهنة”. وصدر الخميس عن مكتب وزيرة الإعلام منال عبدالصمد بيان جاء فيه “بعد الاطلاع على مجريات ما حصل بالأمس في شارع الحمراء بين مراسلي فرانس 24 والقوى الأمنية، تبين أن الطاقم الإعلامي للوسيلة الإعلامية المذكورة لم يستحصل مسبقا على بطاقة ممارسة المهنة في لبنان من الوزارة كما يقتضي القانون. وبعد التواصل، سيتقدم الفريق الإعلامي لفرانس 24 بتقديم المستندات المطلوبة وفق الأصول”. ويقصد الصحافيون اللبنانيون والعرب والأجانب شارع الحمراء غالبا لاستصراح الناس وقياس مزاج الشارع وذلك لتنوع روّاده وسكانه، مناطقيا وطائفيا، ولتمايزه برحابة ثقافية وانفتاح، إضافة إلى كونه ليس خاضعا لسلطة حزبية معينة بالمطلق. وأثارت 4 حالات انتحار الجمعة والسبت الماضيين موجة من ردود الفعل المنددة بالأداء الرسمي في إدارة الأزمة، وخصوصا لارتباطهم بالضائقة المعيشية جراء الانهيار الاقتصادي المتسارع في البلاد. وشهد شارع الحمراء، الذي منع التصوير فيه، واحدة من حوادث الانتحار هذه، حيث أقدم مواطن (61 عاما) في وضح النهار، وفي فسحة أمام مبنى في الشارع المزدحم على الانتحار بإطلاق رصاصة من مسدس كان بحوزته. ويعد إجراء المنع من استصراح الناس أمنيا، وعادة ما يتخذ عند الإعلان عن منطقة أمنية ومغلقة، وهو ما قد ينطبق على شارع الحمراء أو أي منطقة لبنانية أخرى، لكن يُفترض أن يتم إعلان ذلك، والأهم أن يتم تبريره، وفق تقارير إعلامية لبنانية. واعتاد الصحافيون هذه المواقف في مناطق خاضعة لسيطرة حزبية مُحكَمة، لاسيما في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث غالبا ما يتجه “عناصر الانضباط” إلى الصحافيين حين يراهم مع كاميراتهم أو حتى مع دفتر وقلم يدونون تصاريح المواطنين. ويطلب “الانضباط” البطاقة الصحافية وأحيانا بطاقة الهوية، ويمنع استكمال العمل إذا لم يكن الصحافي “منسقا” لجولته مع المسؤولين المعنيين في “حزب الله”، طبعا بذريعة “أمن المقاومة”. وكان قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح أصدر قرارا بمنع جميع وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية العاملة في لبنان من إجراء أي مقابلة أو حديث مع السفيرة الأميركية دوروتي شيا تحت طائلة وقف الوسيلة الإعلامية المعنية عن العمل مدة سنة في حال عدم التقيد بهذا الأمر وتحت طائلة إلزام الوسيلة الإعلامية دفع 200 ألف دولار غرامة في حال عدم الالتزام بهذا القرار. وجاء قرار القاضي مازح بناء على استدعاء على خلفية مقابلة لشيا مع تلفزيون “الحدث”. ويشهد لبنان أزمة مالية واجتماعية غير مسبوقة ساهمت في إطلاق انتفاضة شعبية غير مسبوقة في أكتوبر ضدّ مجمل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وسوء الإدارة. وتتوسّع يوميا الانتهاكات الصارخة ضدّ حريّة التعبير والرأي والصحافة في لبنان، بوتيرة متسارعة بدأت تستفحل منذ احتجاجات 17 أكتوبر، فبدأت البلاد تشهد قمعا مباشرا للصحافيين من أجل لجم التغطيات التي تظهر تقصير المسؤولين. وأثار تعرض صحافيين إلى الاعتداء من عدد من عناصر جهاز أمن مطار بيروت الدولي في لبنان استهجانا إعلاميا واسعا، خاصة أنه كان بحضور وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار ووزير الصحة حمد حسن. وأظهرت لقطات مصورة الاعتداء على المراسلين بعد اقترابهم من المسافرين الذين بدا عليهم الاستياء من الإجراءات المتبعة في المطار.
مشاركة :