مصطفى الشيمى يكتب: قارئة الفنجان

  • 7/18/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قارئة الفنجان واحدة من أشهر الأزمات التي مر بها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ حيث  واجه قلة من الحضور قاموا بالتصفير والتشويش عليه أثناء تقديم الأغنية وهو ما جعله يظهر مرتبكًا و توقف عن الغناء واستعمل منديله في تجفيف عرقه ، ثم أخبر الجمهور أنه يستطيع أن يصفر وأن يصيح بصوت عالٍ . تبدأ القصيدة بوصف العرافة  وهي تقلب الفنجان على وجهه  ثم تحركه من اليسار إلى اليمين والعكس، وتتأمل بقايا قعر الفنجان الأسود وقد تفرعت  خطوطه، وأكدت بأن الحب عليه هو المكتوب وانتهت بأنه سيموت شهيدًا ما دام فداءً للمحبوب، وهى نتيجة واقعية لتفانى العندليب في  العشق و الهوى والإحساس الطاغى.في حيِّز مكاني الضيق، وفى غرفتى المتبعثرة، أقلب في هاتفى لأجد إحدى المقاطع عن تواقعات الأبراج لعام 2020 و جرت العادة بأن تقوم بعض القنوات بإستضافة خبراء في الفلك والتارو ليتوقعوا ما سيحدث في السنة المقبلة وذلك بعد أن استغرقوا وقتًا طويلًا أمام البلورة السحرية الخاصة بهم  . وصادفنى بعض المصطلحات الخاصة بالسادة المنجمين مثل ( 2020 دى سنة الدلع – سنة جبر الخواطر – سنة كلها معلش – المريخ هيتلاقى مع الدلو وهتبقى الأبراج الترابية أكثر حظًا )، وخطر ببالى ألم يتعرض صاحب إحدى هذه الأبراج المحظوظة في عام 2020 الى إعصار أو وباء أو صعق أو صدمة عاطفية أو  كارثة مالية. هذه  المشاهد مستوحاة من الحياة اليومية المصرية، وكانت عادة وتقليدًا متبعًا في معظم البيوت المصرية  و عند الأجداد تختلط دائمًا في  مضمون أحاديثهم ، و أن هناك أفراد تتحقق معجزات على أيديهم، وشواهد لم تحدث من قبل، فيمكن قراءة الطالع في الفنجان الفارغ بعد شرب القهوة . حيث ترى علامات التشاؤم والحزن  والفرح  في عيون السيدة التي تجالس تقرأ، إلى أن وصل الأمر بإعتبار التنجيم نوع من العلوم. ولم نكتفى بذلك فأصبح من أهم تطبيقات الهاتف الذكى الذى بين أيدينا هو تطبيق قراءة الكف ورؤية الطالع . و على مر العصور أدرك الناس بأن هناك حوادث استثنائية لا يمكن للإنسان التنبؤ بها و لكنها تجذبنا أحيانًا إلى مكان أبعد من الخيال ، وذلك في محاولة لاكتشاف الذات وما يحوم حولها من مخاطر في المستقبل وتلبية طموحات البشر في معرفة واقع المستقبل المجهول والتنبؤ به من خلال مقتضيات حقيقة الناس والواقع. ولهذا السبب فقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم ارتباط الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية أو توقعات المنجمون ، فبعد أن مات ابنه إبراهيم رضي الله عنه فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم في الناس حين صلى الكسوف وقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته".فالتنبؤ بالمستقبل أقدم محاولة فاشلة في التاريخ  ومع هذا مازالت تلقى رواجًا كبيرًا رغم اختلاف الوسائل المستخدمة فيعتمد مدعي الغيب على مهارته في فهم طبيعة البشر ودوافع الناس واللعب على الأوتار الحساسة ويساعده على ذلك أن الضحية تأتي منتهية كحالة العندليب في غناء القصيدة  وهو مستعد للشكوى والبوح بكل شيء بالإضافة عن ملامح القلق واليأس التي تجعل قراءة وجهه أسهل من قراءة كفه  و لذلك يجب أن نكون حذرين في تحليل الحاضر لوضع توقعاتنا للمستقبل ، ولنا عبرة في كل حدث طرق بابنا خلال هذا العام.  وما أحوجنا اليوم إلي فنجان قهوة عربى أصيل يصلح المزاج العام ويجبرنا على التكيف مع حظنا اليوم  دون اللجوء إلى الضرب في الرمل ولا لقراءة في الفنجان أو الكف  حتى  ننتبه إلى الأفكار والمخاوف الشائعة في مجتمعنا والتعامل معها.وأبشر لأن الأغلبية لا يتقنون التعامل مع الواقع فيلجأون لما يريدون سماعه.

مشاركة :