دائمًا يكون للمصريين رأى آخر في مواجهة الاحداث .. ففي كل مرة يتعرضون فيها للمحن والأزمات ، لم يجدوا غير السخرية لتعيد لهم الاتزان النفسي مع مرارة ما يتعرضون له ، بل ويتكيفون مع الواقع أيًا كانت النتائج ، فلا يختلف احد أن ما يميز الشعب المصري هو خفة الدم وبشاشة الوجه في أحلك الظروف والتي تخرج دائمًا من قلب المعاناة ،لتعبر بنا من اشد الضيق إلى أوسع الفرج ، و هكذا كان الحال بالنسبة لـ "إعصار التنين" الذي أعلنت هيئة الأرصاد أنه سيضرب البلاد؛ فالمصريون استعدوا للإعصار بالمحمصات والمقرمشات ، ونزلوا إلى الشوارع لاستقباله وتصوير أحداثه ومشاهده أثاره وتداول رواد التواصل الاجتماعي مقطعا يظهر مجموعة من المصريين بمركب أثناء محاولتهم عبور أحد الشوارع الغارقة بمياه الأمطار.أما فى السويس قام عدد من المواطنين باستخدام قفازات طبية مستعملة كزينة رمضان ولتكون رمزًا لأزمة كورونا تعبيرا عن فرحتهم الشديدة ومواكبة الحدث ، و الطبيعي أن يفزع المصريون من الفيروس القاتل الذى أصاب العالم بأزمة كبيرة ، بينما كان لنا نحن المصريين رأى آخر غارق في تعدد وصفات الوقاية الشعبية الفهلوية المضحكة بالإضافة إلى التقليل من شأن الفيروس وتشبيهه بأحد أنواع الشيكولاتة المصرية الشهيرة مستغلين تطابق الاسمين،ولم نكتف بذلك بل كانت أولى النصائح من أحد النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى في حالة الإصابة بكورونا هي "لو حسيت بأعراض كورونا لا تذهب للمستشفى، روح للي ظلمك سلم عليه واحضنه وقوله المسامح كريم". السخرية من الأزمات مهما كانت شدتها، سمة تميزت بها الشخصية المصرية ، فتجد المصريين يحولون أصعب مواقف حياتهم اليومية إلى نكتة يضحكون عليها، أملًا فى تخفيف ضغوطاتها النفسية والعصبية ، حيث إن ذلك يحتوى على مساحات كبيرة من الإبداع ، هذا الأمر الذى اتضح فى كثير من الأحداث التي يتم فيها التعامل مع المشاكل والمواقف الصعبة بسخرية والنظر إلىها ببساطة حتى يمنع تفاقمها وبالتالى فإن السخرية أو النكتة هي أحد أفضل الوسائل التى تمنع ازدياد الأمور تعقيدًا ، وطبيعة الشخصية المصرية على مر التاريخ أثبتت أنها لا تميل للعنف ، حيث دائمًا ما يبحث المصرى عن الاستمتاع بالحياة بأبسط الوسائل المتاحة ، فكان ينتقد السلوكيات والسياسات الخاطئة فى المجتمع ، واعتد بها كسلاح لمواجهة خصومه، ومقاومة المعتدين فالنقوش في المعابد القديمة تصور الهكسوس على أنهم مجموعة من الفئران ، وفى عصر الرومان تم منع دخول المحامين المصريين محاكم الإسكندرية لأنهم كانوا يسخرون من قضاة الرومان ، مما دفع الشاعر الروماني ثيوكربتوس لأن يقول عام 200 ق.م "المصريون شعب ماكر لاذع القول، وروحه مرحة" ، أما نابليون بونابرت أمر جنوده بإلقاء القبض على من يطلق النكات على الفرنسيين. المصريون شعب يعشق الفكاهة والارتجال فقد ثبت أن ذلك يدعم جهاز المناعة في معركته ضد جميع الأمراض والأزمات .. وبالإضافة أن البهجة دائمًا توثر على الجانب النفسي الذى يلعب دورًا بالغ الأهمية في تدعيم مناعة الجسم، لهذا نقاوم بطبيعتنا المرحة الظروف الطارئة وتحويلها إلى مادة ساخرة، حتى يمكن التعامل معها وتداركها بسهولة ، لتكون احيانًا وسيلة للتعبير عن الغضب بطريقة متحضرة ومختصرة ، فالسخرية أو التنكيت هي صفة جذرية في ثقافتنا، ومُكوِّن من مكونات شخصيتنا المصرية المتصلة في جذور التاريخ الممتد حتى النخاع ولا تزال موروثة حتى الآن ...مما جعل الروائي الفرنسي جيلبرت سينويه يكتب عن الشخصية المصرية في أول روايته بعنوان" المصرية" قائلًا: يولد المصري وفي قلبه ورقة بردي مكتوب عليها بحروف ذهبية، إن السخرية هي المنقذ من اليأس" ... فلماذا لا يضحك المصرى وقلبه خال من اليأس ...!
مشاركة :