عبدالله السويجي لم يفت الأوان، لا يزال الوقت مناسباً لعمل جماعي استراتيجي لمواجهة التدخلات الخارجية، ناهيك عن جائحة كورونا. لا أعتقد أن الحديث عن القومية العربية غادر روح الإنسان العربي، لا يزال يحلم بفكرة تجمع أبناء الضاد والتاريخ والمصير والإيمان بالإله الواحد، أو باستراتيجية تشد من عضدهم وتُبعد الذباب الذي ما فتئ يحوم حولهم منذ عشرات السنين، أو بتنسيق يؤكد شيئاً من التكامل الأمني والزراعي والصناعي والثقافي، أو باندماج كيانات وهيئات تعليمية وتجارية وتقنية وغيرها. نحن لا نتحدث الآن عن معجزة الوحدة، لأننا لو فعلنا ذلك نكون قد وضعنا العربة أمام الحصان، ويبدو أن تكوين الشخصية العربية ترفض الذوبان وتميل إلى الاستقلالية، هذا من باب تبرير غير المبرر، وتأكيد غير المؤكد، فالتاريخ شهد كيانات لا تجمعها لغة، ونجحت لأنها غلّبت المصلحة القومية العليا على المصلحة القُطرية الصغرى، ولا بد من وجود سبب جوهري، قد يكون أكبر من مكونات الشخصية العربية، منع حتى الآن، أي تقارب حقيقي، وتنسيق عملي، واندماج جوهري، وقد نسمع البعض في هذه اللحظة بالذات يقول: «كاتب هذه السطور يعرف، لكنه ينأى بنفسه عن البوح»، وقد يصدق هذا البعض وقد يخيب رجاؤه، ليس من باب التهرب من وضع الإصبع على الجرح، لكن من باب التأني، وترك العربة تسير وراء الحصان ولو ببطء، وقد يأتي زمن تحرّض العربة الحصان على الإسراع وقد تسبقه، وفي هذه الحالة تكون قد توفرت الشروط وتم تثبيت الإستراتيجيات. ويبدو أن هذا الزمن يلوح في الأفق، فإضافة إلى انشغال العرب بأزماتهم الداخلية والثنائية أو الثلاثية، هنالك ثمة أزمات بدأت منذ أكثر من عشر سنوات بقليل، أي في لحظة بدء ما سُمي بالربيع العربي، وتسللت الأذرع الخارجية إلى عدد من العواصم العربية بهدف تغيير الأنظمة والنسيج الاجتماعي وربما تغيير التاريخ، وبعد عشر سنوات، ونتيجة لعدم وجود استراتيجية عربية جماعية لمواجهة أي تسلل أو تحرش خارجي، تمادت جهات كثيرة، منها جديدة وحديثة التدخل، ومنها قديمة التحرش والابتزاز والاستغلال، وباختصار، هذه الجهات طفت على السطح، وبدأت تتدخل مباشرة في الشأن العربي، وسنبدأ بالتدرج الزمني، أي بالكيان الصهيوني «إسرائيل» التي ترفض حتى الآن تطبيق القرارات الدولية والمعاهدات الموقعة مع الفلسطينيين، ما يجعل المنطقة ملتهبة على الدوام. وثانياً التدخل الأمريكي في العراق الذي لا يزال يعاني أهوال عدم الاستقرار، وثالثاً التدخل الإيراني واحتلال جزر الإمارات ورفض الانسحاب منها على الرغم من مساعي دولة الإمارات العربية المتحدة السلمية، وتدخلها في العراق ولبنان وسوريا أيضاً بشكل سافر، وفي بلدان أخرى بشكل سري. ورابعاً، التدخل التركي في سوريا ومساندة التنظيمات المتشددة، ثم التدخل بشكل سافر وعلني وصريح واستقطاع أراض سورية شاسعة، ثم التدخل في الأزمة الخليجية والمساهمة في تأجيل وإبعاد الحلول، والآن تتدخل بشكل مباشر في ليبيا وتعرقل الحلول، وخامساً السعي إلى التحكم بالمجرى المائي الدولي (نهر النيل)؛ حيث ستتضرر جمهورية مصر العربية كثيراً بسبب سد النهضة، إضافة إلى تدخلات استخبارية من دول عدة. ألا تتطلب هذه التدخلات أن تسرع العربة وتحرض الخيل على الجري وربما تقفز عنه، ونعني بذلك التشبيه، العمل العربي المشترك، واستراتيجية الدفاع العربي، وكذلك الاستراتيجية الأمنية؟ ولا نرغب هنا في ممارسة الجلد الذاتي ونكرر كلمة (لو) مئة مرة، فالزمن ليس في صالح الندم والبكائيات، لكنه في الحقيقة لم يفت الأوان، لا يزال الوقت مناسباً لعمل جماعي استراتيجي لمواجهة التدخلات الخارجية، ناهيك عن جائحة كورونا التي تحرّشت بدول العالم ومنها البلدان العربية. لا بأس من التذكير من أن العالم العربي يستطيع أن يحقق الاكتفاء الذاتي زراعياً وصناعياً وفي الطاقة والتقنية والثقافية وغيرها، وهذا الاكتفاء هو الذي سيضمن نجاح التصدي للتدخلات، ومواجهة التحديات كافة، حتى لا يقول أحد: أكلت يوم أكل الثور الأبيض. suwaiji@icloud.com
مشاركة :