تواصل تركيا انتهاك المياه الإقليمية لليونان وقبرص في شرق البحر المتوسط غير مبالية بالتحذيرات الدولية والأوروبية التي تدعوها إلى إيقاف أنشطة التنقيب غير القانونية عن الغاز، ما يضع المجتمع الدولي أمام تحدي إعادة التفكير في استراتيجية تعامله مع التهديدات التركية لأمن و استقرار المنطقة في ظل فشل الدبلوماسية. واشنطن – تعكس مطالبة الولايات المتحدة بإيقاف أنشطة التنقيب التركية شرق المتوسط تشكّل رأي عام دولي مناوئ لاستباحة أنقرة المياه الإقليمية لجيرانها، في وقت يدرس فيه الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على أنقرة لا يبدو أنها كافية لكبح عبثها بأمن واستقرار المنطقة. وطالبت الولايات المتحدة الحكومة التركية، الأربعاء، بإلغاء إجراءاتها كلها بالقرب من جزيرة كاستيليريزو اليونانية، في ظل تعنت أنقرة وسعيها للمضي قدما في خططها غير القانونية على الرغم من موجة الانتقادات الدولية. وقال المسؤول الأميركي “تدرك الولايات المتحدة أن تركيا أصدرت تنبيها للتنقيب في المياه المتنازع عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط، ندعو السلطات التركية إلى وقف جميع خطط العمل وتجنب الخطوات التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة”. ويضع التعنت التركي والمضي قدما في خرق كل المواثيق البحرية الدولية التي تضبط الأنشطة الاقتصادية في شرق البحر المتوسط، المجتمع الدولي أمام تحدّي كبح الاستفزازات التركية في المنطقة. ويرى مراقبون أن المجتمع الدولي بات على قناعة من أي وقت مضى بأن لهجة التحذير والتلويح بالعقوبات لم تعد تجدي نفعا مع تركيا، ما يدفع باتجاه إعادة التفكير في استراتيجيات كبح الانتهاكات التركية للمنطقة البحرية الأوروبية. ويشير هؤلاء إلى أن الاتحاد الأوروبي، المتضرر الأساسي من أنشطة التنقيب التركية، قد يحتاج إلى نشر قوات بحرية في البحر المتوسط إذا استمرت تركيا في انتهاك السيادة القبرصية واليونانية على مياهها الإقليمية. وفي انتظار بلورة استراتيجية أوروبية مشتركة للتدخل في البحر المتوسط تحتاج موافقة جميع قادة الاتحاد الأوروبي حتى تدخل حيز التنفيذ، تتجه دول التكتل إلى زيادة حدة العقوبات على تركيا. وفي تصعيد يعكس حدة التوتر في المنطقة، نشرت البحرية اليونانية بوارج عسكرية في بحر إيجه بعدما أعلنت حالة “التأهب” بسبب الأنشطة التركية لاستكشاف الطاقة. وقال مسؤول يوناني فضل عدم الكشف عن اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية الأربعاء إنّ “الوحدات البحرية تم نشرها منذ الثلاثاء في جنوب وجنوب شرق بحر إيجه”، رافضا الكشف عن المزيد من التفاصيل. ويستبعد خبراء أوروبيون حدوث مواجهات عسكرية بين تركيا واليونان في بحر إيجه، إلا أن سفن التنقيب التركية المرفوقة بقطع حربية ترفع منسوب التوتر في المنطقة إلى مداه الأقصى. وفي فبراير الماضي، أرسلت فرنسا حاملة طائرات إلى ميناء ليماسول القبرصي، في استعراض للقوة في النزاع بين قبرص وتركيا بشأن حقول الغاز. ويرى مراقبون أن باريس بعثت برسالة لأنقرة من خلال هذا التحرك مفادها أن هناك انسجاما في المواقف الأوروبية الرافضة لاستفزازات تركيا في شرق المتوسط وتحركاتها المريبة. وأشار هؤلاء إلى أن التحرك الفرنسي ليس بمعزل عن جملة تحركات أخرى يجريها كل من الاتحاد الأوروبي والأطراف المعنية بشرق المتوسط وأمنه على غرار إسرائيل ومصر واليونان وغيرها. وأثارت التحركات التركية للتنقيب عن الغاز شرقي البحر المتوسط انتقادات كبيرة من اليونان وقبرص ومصر، وخصوصا بعد توقيع أنقرة مذكرة تفاهم لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج نهاية العام الماضي. وحذرت اليونان تركيا من تجاوز “الخطوط الحمراء” عقب الاتفاق الذي أبرمته مع حكومة الوفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، مؤكدة أنها لن تسمح بأي أنشطة تركية يمكن أن تتعدى على الحقوق السيادية لليونان. وتشعر أثينا بالقلق من الاتفاق الذي يمنح تركيا حقوقا في مناطق شاسعة من المتوسط تم مؤخرا اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز فيها، فيما تسعى أنقرة لتوسيع حدودها البحرية نحو جزيرة قبرص المقسمة ومناطق أخرى تقول اليونان إنها تقع ضمن جرفها القاري بموجب القانون الدولي. وفي يناير الماضي، اجتمع وزراء خارجية مصر وفرنسا وقبرص واليونان في القاهرة، وأصدرت الدول الأربع بيانا مشتركا أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء “الخروقات” التي قامت بها تركيا في منطقة شرق المتوسط. وأكدت تركيا رفضها لموقف اليونان التي تؤكد أن أنشطة الاستكشاف التركية في شرق البحر المتوسط تمثل انتهاكا لسيادة الأراضي اليونانية، ما يعني أن التوترات ستظل مرتفعة في المنطقة. والثلاثاء، قالت الخارجية التركية في بيان، إن سفينة المسح السيزمي “أوروتش ريس” ستواصل تقييم منطقة كانت غطتها سفينة أخرى سابقا وتقع ضمن ما كانت أبلغت به تركيا الأمم المتحدة بأنه جرفها القاري. وتثير التصريحات التركية الرسمية بشأن سواحل قبرص وعزم أنقرة حيازة حق الترخيص للشركات للقيام بمهام استكشافية وتنقيب في شرق المتوسط جدلا واسعا طغى عليه التنديد بالممارسات التركية باعتبارها قد تزيد من توتر الأوضاع في المتوسط. تأتي التوترات الجديدة بعد إعلان تركيا أنها ستجري مسحا في شرق المتوسط بداية من 21 يوليو الجاري. وكانت الخارجية اليونانية طالبت تركيا “بالوقف الفوري لأنشطتها غير القانونية التي تنتهك سيادة اليونان وتقوض السلام والأمن في المنطقة”. وأرسلت أنقرة سفينة حفر إلى المنطقة، من أجل إجراء استكشافات في الفترة ما بين 21 يوليو الجاري حتى 2 أغسطس المقبل، ورد رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس على هذه التطورات، قائلا إن تركيا “تهدد بانتهاك سيادة اليونان وأوروبا”. وأضاف ميتسوتاكيس “اليونان تتابع التطورات بثقة واستعداد مطلق. يشكك انتهاك الحقوق السيادية لليونان وقبرص في انتهاك الحقوق السيادية لأوروبا. إذا استمرت تركيا في هذا الاتجاه، فإن فرض العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي سيكون حتميا”. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد في حديث مع مجلة كريتر التركية مؤخرا أن أنقرة منفتحة على كل الاقتراحات المستندة للتعاون والتقاسم العادل في البحر التوسط، ومستعدة للعمل مع الجميع على أساس هذه المبادئ، مضيفا “لا نريد توترا في المتوسط الذي يعد مهد الحضارات المختلفة”. وتتهم تركيا، التي تستضيف ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ سوري على أراضيها، الاتحاد الأوروبي بعدم الوفاء بجميع التزاماته بموجب اتفاق مثير للجدل توصل إليه الطرفان في العام 2016 لمكافحة تهريب المهاجرين مقابل حصول أنقرة على مساعدات مالية. ملف الهجرة يعوق اتخاذ الاتحاد الأوروبي أي تدابير جدية حيال الاستفزازات التركية في شرق البحر المتوسط ويرى دبلوماسيون أوروبيون أن تلويح أنقرة بورقة المهاجرين يمنع الاتحاد الأوروبي من اتخاذ أي تدابير حيال الاستفزازات التركية في المتوسط. و تضغط فرنسا، التي يخيم التوتر على علاقاتها مع تركيا، باتجاه توضيح الموقف الواجب اعتماده حيال تركيا، فيما تحظى باريس بتأييد بعض الدول. ويستوجب اتخاذ موقف أوروبي موحد حيال استراتيجية التعامل تجاه التهديدات التركية تصويت جميع الدول الأعضاء الـ27، التي تتخوف بعضها من موجة هجرة جديدة قد تتأتى من التهديدات المستمرة الصادرة عن أردوغان. ويستنجد الرئيس التركي بورقة فتح حدود بلاده أمام المهاجرين في ابتزاز دول الاتحاد الأوروبي كلما ضاق هامش المناورة عليه، وانتقدت دول التكتل سياساته التوسعية في المنطقة. وتخيم خلافات كبيرة بين تركيا وشركائها في الاتحاد الأوروبي، فأنقرة تقدم دعما عسكريا لحكومة الوفاق في ليبيا وحلفائها الإسلاميين، وهي متهمة بانتهاك حظر الأمم المتحدة بعد تسليم أسلحة إلى هذا البلد. وتقاتل تركيا في سوريا القوات الكردية، الحليفة الأساسية للتحالف الدولي الذي تشارك فيه العديد من دول الاتحاد الأوروبي في قتاله ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
مشاركة :