مواقع التواصل فرضت سطوتها، حقيقة لم تعد تقبل الجدل ولا الشك، وتتأكد كل يوم حيث يتصدر المشهد واقعة أو حدث معين سرعان ما يتحول لحديث الساعة ويصبح «ترند» وفقا لتوصيف البعض.المؤكد والأخطر أن «السوشيال ميديا» أو مواقع التواصل باتت كاشفة أو بتوصيف أدق «فاضحة» لقناعات البعض ومبادئهم التى للأسف تتأرجح كبندول الساعة، فما يرفض اليوم من قبل البعض، يقبل منهم ويدافعون عنه باستماتة في موقف آخر لو تعارض مع مصالحهم أو كانوا طرفا فيه أو على صلة به، ما يجعلنا نسأل عن ماهية تقييمهم للأمور، وهل المبادئ باتت مطاطة تقبل التهاون والمساومة في حال تعارضها مع المصالح، ومن يحق له التجاوز في سمعة وشرف وحقوق الآخرين فيبادر في إصدار أحكام ويطلق اتهاماته الجارحة أو توجيهات سخيفة لم يطالبه بها أحد أو يتدخل في شئون الآخرين، كما حدث مؤخرا مع لاعب كره تجرأ فنشر صورة له مع ابنته والتى لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، لتنهال التعليقات الجارحة والتى تطالبه بأن «يصون جسدها» خشية الفتنة.نفس التطاول كان من نصيب الفنان شريف منير بعدما نشر صورا لبناته، ورغم أن الصور ليس فيها أية تجاوزات إلا أن البعض صال وجال فيما لا يحق لهم التدخل فيه، ما دفع الأخير للتنديد بملاحقة كل من تجاوز في حقه وحق أسرته قضائيا، وهو ماحدث أيضا مع النجم ماجد المصرى عندما نشر صورة ابنته الصغيرة.والسؤال الذى يفرض نفسه هو ماذا حدث للسلوكيات والأخلاق؟ وهل كنا فقط نحتاج لمواقع التواصل كى تكشف وتعرى وتفضح هذا الكم من التطاول والتجاوز وعدم الحياد؟ أم أنها فقط شجعت ضعاف النفوس ورفعت سقف الجرأة والحريات في ظل الجهل وعدم وضوح الرؤية والفهم الصحيح للحرية أو للنقد.على الجانب الآخر لا أحد يمكنه إنكار قدرة «السوشيال ميديا» على تنوعها في الانتصار لقضايا ومواقف، ونجاحها في استعادة حقوق البعض، بل وفضح تجاوزات وسلوكيات مشينة للبعض الآخر، أو آراء يتنمر أصحابها على فئة ما، كما حدث مؤخرا مع الفنانة إسعاد يونس والتى اضطرت أمام هجوم الجمهور عليها اعتراضا على ما كتبته لأن تغلق صفحتها.من إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعيه أيضا أنها باتت تلعب دور الإعلام البديل، فتنقل الأخبار، أو بتوصيف البعض تسبق الوكالات الأخبارية رغم كل ما تملكه من إمكانيات ومراسلين، ويحدث هذا ليس في مصر فحسب بل في العالم أجمع، ولعل جائحة كورونا وغيرها أكبر مثال على أهمية مواقع التواصل الاجتماعية ليس فقط في نقل الأخبار وتداولها لكن أيضا في تبادل الخبرات والمساعدات في محاولة للانتصار على هذه الأزمة وغيرها.مما سبق وغيره من التفاصيل نؤكد على أهمية مواقع التواصل والدور الذى تلعبه اجتماعيا وسياسيا أيضا، وأن العالم أجمع لن يتمكن من الاستغناء عنها، لكن يبقي أهمية تعلم كيف «نرشد» استخدامها، والأهم أن نحترم خصوصيات البعض وآراءهم وأن نتعلم قبول الآخر حتى لو اختلفنا معه ومع ما يطرحه، فليس من حقنا أن نتجاوز في حقوق الآخرين أو نتطاول عليهم حتى لو اختلفنا مع ما يطرحونه، وأن نبقى استخدامها في نصرة الضعفاء الذين يحتاجون للدعم، أو من يتعرضون للأذى، وأن نحترم «ماهية التواصل مع الآخر» والاستفادة من الآراء والتجارب الحياتية وربما توثيق الصلات التى تجبرنا ظروف الحياة وصعوبتها على تجاهلها أحيانا.باختصار أن نتمسك بإيجابيات هذه المواقع وما تقدمه من خدمات ودعم وربما ترفيه وتسلية أيضا، لكن أن تتحول لساحة تراشق وتطاول وخروج على النص بمنتهى الوقاحة فكلها أمور مرفوضة تماما، وأن نتمسك بأن تظل بالنسبة لنا نعمة وليس نقمه تؤرق حياتنا وتتسبب في أن نخسر بشر وأصدقاء لمجرد خلاف في الرأى، أو نتحول بسببها لأعداء، وأن نحترم الرأى الآخر مهما اختلفنا معه، خاصة أن الخلاف في الرأى لايفسد للود قضية.
مشاركة :