السوشيال ميديا أو مواقع التواصل الاجتماعي، تقنية حديثة تسهل على الناس التواصل وتبادل الآراء والأفكار ومختلف الأنشطة التي تتطلب مشاركة بين الناس. لقد اختلفت مواقف الناس من السوشيال ميديا، التي تشكل ثورة حقيقية في العالم التقني، إذ إن المواقع تتزايد في كل يوم والشركات المصنعة لتلك المواقع في تنافس دائم، والإنسان في هذه اللعبة هو السلعة الوحيدة التي تتم المتاجرة بها إذا استسلم وسلم نفسه لتلك المواقع بطريقة عشوائية غير متزنة؛ لذلك لا بد للإنسان أن يكون واعيا بشكل حقيقي لتلك الأمور ولا يسمح لنفسه أن يكون سلعة يتاجر بها فيفقد نفسه وعقله. لقد أثرت السوشيال ميديا بشكل كبير على الحياة الإنسانية والعلاقات البشرية، ولم يخف ذلك على أي من القائمين على الدراسات الخاصة بالعلاقات الاجتماعية، ولم يأخذ ذلك التأثير شكلا واحدا بل كان له جانبان: الأول إيجابي، إذ قرب ما بين الأشخاص المتباعدين، فباتت الأم تستطيع أن تتكلم مع أبنائها أينما كانوا من خلال نقرة خفيفة على زر لطيف فتراهم كأنهم أمام ناظريها. فلم تعد الحياة شاقة على المغتربين كما كانت في السابق، أي أن مواقع التواصل الاجتماعي جعلت العالم كله كأنه قرية صغيرة كل يرى فيها ما يفعله الآخرون، ومن ناحية أخرى فقد استطاع الكثير من الطلاب والأساتذة ممارسة نشاطاتهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما في ظل الأوبئة القاتلة التي يحظر فيها التجمعات مثل "كورونا" التي فرضت على كثيٍر من الناس البقاء في منازلهم. وكان ممكنا أن تتوقف لولا مواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت تواصل المعلم مع طلابه وإكمال المناهج التعليمية على منصات التعليم الالكتروني، فحققت بهذه الطريقة تلك المواقع نجاحا باهرا من خلال إنقاذ الإنسان من الجهل وفتح الطريق أمامه نحو نور التعليم. لكن استطاعت مواقع التواصل الاجتماعية في الوقت ذاته أن تؤثر على الحياة الاجتماعية بشكل سلبي فقطعت العلاقات الإنسانية بين الأقرباء الذين يقطنون في البلدة نفسها، فلم يعد أحد يزور أحدا في بيته إلا ما ندر ولا يكون التواصل إلا عبر رسالة من خلال "الواتس أب" وغير ذلك مما كان لا يلقى إليه بالا فيما مضى قبل انتشار المواقع هذا الانتشار الواسع. إن الأم والأب باتا يحلمان بضم ابنهما وأن يتحدثا معا في سهرة دافئة في بعض القضايا التي تشغل الكثيرين، ولكن الوالدين لا يعرفان آراء ابنهما إلا من خلال مشاركته على "البرامج" ونشر حالته على "واتس أب"، لذلك لا بد من معالجة الأمر بشكل واقعي، واهتمام الاختصاصيين بهذه المسألة ونشر التوعية بهذا الشأن. إن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي استخداما صحيحا، لا يتأتى إلا من خلال الوقوف على الحاجة من تلك المواقع، إن العالم يعيش في كارثة ثقافية حقيقية؛ بسبب اعتماد الشباب على استقاء علومهم من تلك الشاشات، ينبغي للإنسان أن يكون قائد نفسه وسيد قراره لا أن يسلم زمام نفسه لمواقع التواصل. قد يبدو الأمر سهلا لشاب في مقتبل عمره، لم ير في جلوسه أمام الشاشة ساعات من الوقت بأسا، ولكنه إذا ما كبر واكتشف أنه لم يستطع أن يغرس في أبنائه المثل، وأن أرضه قاحلة عندها سيعلم ما الذي سلبته منه مواقع التواصل الاجتماعي. ختاما، إن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، علينا الانتباه إلى طريقة حمله حتى لا يجرح ولا يقتل، ووقت الإنسان هو بعض من عمره، حري به ألا يسرف فيه على ما لا يستحق من الأمور، سيما تلك التي تودي بحياته إلى الهاوية دون انتباه منه ولا تقدير لعواقب الأمور التي يقدم عليها.
مشاركة :