مسعى الكاظمي للنأي بالعراق يدخله في مأزق الصراع مع الميليشيات | | صحيفة العرب

  • 7/25/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يقوم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بسلسلة من الزيارات الخارجية لعواصم فاعلة في المشهد السياسي في بلد يعاني تبعات التدخل الإيراني في شؤونه وضغوط الفصائل المسلحة التي توالي طهران على استقراره، ويحاول الكاظمي تثبيت منصة التوازن في الدبلوماسبة العراقية بتقديم نفسه كوسيط بين القوى المتصارعة لتجنيب البلد الكثير من مساحات الاشتباك والاحتكاك، وهي خطوة في حال نجاحها ستزيد من رصيده الشعبي وتخفف وطأة التحديات الداخلية التي تكبل حكومته. بغداد - العراق هو إحدى دول قليلة تحتفظ بعلاقات وطيدة مع البلدين المتصارعين، الولايات المتحدة وإيران، إذ يلعب الخصمان دورا رئيسيا في الساحة العراقية منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003. وعلى حدة، تحالفت بغداد مع واشنطن وطهران لمحاربة داعش ، عندما اجتاح التنظيم عام 2014 ثلث مساحة العراق، وأثمر التحالفان عن إعلان بغداد في ديسمبر 2017 إلحاق الهزيمة بالتنظيم، عقب ثلاث سنوات من حرب طاحنة، لكن ثمرة هذين التحالفين لم تكن إيجابية ، إذ كاد العراق أن يتحول إلى ساحة حرب مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران مطلع العام الجاري. وعلى حدة، تحالفت بغداد مع واشنطن وطهران لمحاربة داعش، عندما اجتاح التنظيم عام 2014 ثلث مساحة العراق، وأثمر التحالفان عن إعلان بغداد في ديسمبر 2017 إلحاق الهزيمة بالتنظيم، عقب ثلاث سنوات من حرب طاحنة، لكن ثمرة هذين التحالفين لم تكن إيجابية ، إذ كاد العراق أن يتحول إلى ساحة حرب مفتوحة بين الطرفين مطلع العام الجاري. وبعد ثمانية أيام، ردت إيران بإطلاق صواريخ باليستية على قاعدتين عسكريتين عراقيتين يوجد بهما جنود أميركيون في محافظتي الأنبار (غرب) وأربيل (شمال)؛ ما أوقع إصابات بينهم. هدأت بعدها وتيرة التوتر بين البلدين، رغم تصاعد حدة هجمات صاروخية تستهدف المصالح الأميركية في العراق، وتشنها غالبا فصائل مقربة من إيران. في ظل هذه الظروف المعقدة ولدت حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يوم 6 مايو الماضي، بجانب مشاكل داخلية كبيرة، على رأسها جائحة كورونا وأزمة مالية ناجمة عن هبوط أسعار النفط، الذي تشكل إيراداته عمود الاقتصاد العراقي. ووضعت حكومة الكاظمي ثلاث عواصم رئيسية لتبدأ منها إعادة رسم وتوازن علاقات بغداد الخارجية، وإبعاد العراق عن الصراعات، على أمل تخفيف التحديات الداخلية، وهذه العواصم هي: طهران، واشنطن والرياض. وأشار مدير مركز التفكير السياسي العراقي إحسان الشمري، في تصريحات صحافية إلى أن الكاظمي يدرك أهمية العلاقات الخارجية، خصوصا مع هذه الدول الفاعلة (الولايات المتحدة وإيران والسعودية)، على مستوى المنطقة والشأن الداخلي العراقي. ورأى أن “هذه الزيارات تعد خطوة نحو الأمام لتجنيب العراق الكثير من مساحات الاحتكاك والاشتباك، خصوصا أن الصراع بين واشنطن وطهران في أعلى مستوياته، وكان العراق مسرحا له”. وحسب الشمري ستعمل حكومة الكاظمي على النأي بالعراق عن هذا الصراع، كما أن زيارته لتلك العواصم هي رسالة إلى الداخل العراقي والخارج بأن ملف العلاقات الخارجية يمثل أولوية كبيرة لبغداد. ومن شأن هذه الزيارات أن “تسهم، إذا نجحت، برفع مستوى المقبولية لدى الكاظمي داخليا”. نوعا ما لم يكن صعود الكاظمي إلى رئاسة الوزراء متوقعا، فالرجل الذي كان رئيسا للمخابرات (2016 – 2020) واشتهر بفض النزاعات بين القوى السياسية المتصارعة داخل العراق، ليس ضمن دائرة السياسيين المقربين من طهران، صاحبة النفوذ القوي ببغداد منذ 2003. بل إن الكاظمي لديه علاقات جيدة مع واشنطن، وتنظر إليه الفصائل العراقية المقربة من طهران بعين الريبة، حتى أن فصيل كتائب “حزب الله” القوي اتهمه بالضلوع في اغتيال سليماني والمهندس. ويمكن للكاظمي أن يستثمر هذه الورقة في مباحثاته بالعواصم الثلاث، عبر الذهاب أبعد من النأي بالعراق عن الصراع إلى تقديم بغداد كوسيط بين القوى المتصارعة. ورأى الشمري أن “الكاظمي قدم نفسه في إيران على أنه رجل يمكن الوثوق فيه، إذا ما أرادت إيران السير نحو الحوار مع الرياض وواشنطن. ويمكن أن يساهم الكاظمي في وضع الأطر الرئيسية، وتقريب وجهات النظر لانطلاق الحوارات، فهو يحظى بالفعل بثقة السعودية وأميركا”. وبحسب التلفزيون الرسمي الإيراني، سُئل الرئيس الإيراني حسن روحاني الأربعاء إذا كان الكاظمي يتوسط بين طهران والرياض، فأجاب بأن “إيران على استعداد دائم للعلاقات مع السعودية.. متى ما قررت السعودية، فإن استعدادنا للعلاقات قائم وسيبقى على الدوام”. ومن المقرر أن يزور الكاظمي واشنطن في وقت لاحق من الشهر الجاري. ومن المتوقع أن تتمحور مباحثات الكاظمي في البيت الأبيض حول اتفاقية الإطار الاستراتيجي ووضعها ضمن مساحة التنفيذ، وكذلك التعاون في ملف الأمن والتسليح والمعلومة الاستخباراتية. ووقع البلدان هذه الاتفاقية عام 2008، ومهدت لخروج القوات الأميركية بالكامل من العراق أواخر 2011، بعد ثماني سنوات من الاحتلال. وعادت قوات أميركية إلى العراق بطلب من بغداد، لمساعدتها في هزيمة داعش، لكن الأطراف السياسية الشيعية، المقربة من إيران، تضغط لرحيل تلك القوات. ويبدو أن ملف القوات الأميركية سيكون شائكا، وقد تواجه بغداد صعوبة في إيجاد حل وسط، خاصة وأن خامنئي أبلغ الكاظمي الثلاثاء أن إيران “تتوقع أن تجري متابعة قرار الحكومة والشعب والبرلمان العراقي إخراج الأميركيين، لأن وجودهم يسبب انعدام الأمن”. ويشير خامنئي إلى قرار صوت لصالحه البرلمان العراقي بعد يومين من اغتيال سليماني والمهندس، يطالب فيه الحكومة بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي، وخاصة الأميركي، في العراق. وحسب المشري، سيعمل الكاظمي على إقناع الأميركيين بألا تنظر واشنطن إلى العراق على أنه منصة لاستهداف إيران، وضرورة أن تحترم سيادة العراق، مع الاحتفاظ بالعلاقات الوطيدة والواسعة بين الجانبين. وتشكل الفصائل العراقية المسلحة، المقربة من طهران، هاجسا كبيرا لحكومة الكاظمي، فقد زاد نفوذ تلك الفصائل لدرجة لا يمكن احتواؤها بسهولة، وتعمل كقاطرة لجر البلد إلى الصراع الأميركي – الإيراني. ورأى الشمري أن “حكومة الكاظمي تعتقد بإمكانية خلق تأثير على تلك الفصائل من خلال طهران، لتقليل الضغوط التي تمارسها الفصائل على الحكومة، وصولا إلى التهدئة حتى مع واشنطن”. وتابع “الكاظمي سيعطي تطمينات لواشنطن بحماية مصالحها في العراق، وأن بغداد قادرة على ضبط الفصائل المسلحة”. ومنذ الإطاحة بصدام، جرت العادة أن يحظى رؤساء الوزراء العراقيين بمباركة كل من واشنطن وطهران، إلا أن الشمري يعتقد أن “الحكومة السابقة برئاسة عادل عبدالمهدي (2018 – 2019) سارت في فلك إيران، لذلك فإن أهمية زيارات الكاظمي الخارجية تكمن في أنه يريد عودة العراق إلى العلاقات الخارجية المتوازنة”. وأردف “الكاظمي يريد عبر هذه الزيارات إعطاء رسالة بأن لديه القدرة على أن يكون رجل توازن المصالح، وأن العراق قادر على اتخاذ القرار السيادي الخارجي بما يضمن مصالحه أولا وتنمية المصالح المشتركة ثانيا”. لا يملك الكاظمي مساحة للمناورة بأن ينغمس مع المحور الأميركي على حساب المحور الإيراني، لذلك يجد أن تثبيت منصة التوازن هو أفضل مؤشر على نجاح سياسة حكومته الخارجية. وعلى غرار رؤساء وزراء العراق السابقين، سيزور الكاظمي السعودية، في مسعى لفتح صفحة جديدة وإثبات خطأ الاعتقاد السائد بأن العراق يدور في فلك إيران، عبر قوى شيعية عراقية مقربة من طهران. وتنظر السعودية بعين الريبة إلى هذا التقارب بين طهران وحكام العراق، في ظل استمرار النظام الإيراني في استهداف الأمن القومي لدول الخليج وانتهاج وتحريض وكلائها بالمنطقة على بث الفوضى وتقويض الاستقرار خدمة للأجندة الإيرانية. واتسمت علاقات بغداد والرياض بعدم الاستقرار طيلة العقود الماضية. وأعادت السعودية في ديسمبر 2015 فتح سفارتها ببغداد وعينت سامر السبهان سفيرا. وفي 2017، عينت السعودية عبدالعزيز الشمري سفيرا ببغداد، لكنه يدير شؤون السفارة من خارج العراق. ووفق الشمري فإن “الكاظمي يدرك أن بعض حلول الداخل العراقي تأتي من خلال بوابات تلك العواصم (واشنطن وطهران والرياض)، فيمكن تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية العراقية من خلال الرياض، وهي مركز مالي واستثماري كبير، وهذا سيساعد في نجاح الكاظمي داخليا”. ورجح أن “الكاظمي سينجح في الحصول على وعود وتطمينات وحتى اتفاقات مع السعودية، بما يساهم في تدعيم الجانب الاقتصادي العراقي”. ومع ذلك، قد تصطدم الخطط والتحركات الطموحة لحكومة الكاظمي بتوجهات بعض القوى السياسية، التي تنظر إلى التعاطي مع الشأن الخارجي على أساس خزينها الأيديولوجي العقائدي، وقد لا يحقق نتيجة كبيرة بسبب الفاعلين في الداخل.

مشاركة :