كمال بالهادي ليلة السكاكين الطويلة، أو «عملية الطائر الطنان» أو ما يعرف بالألمانية ب«روم بوتش»، هي عملية تطهير وقعت في ألمانيا النازية بين 30 يونيو و2 يوليو 1934، نفذ فيها أدولف هتلر وبتشجيع من هيرمان جورينج وهاينريش هيملر سلسلة من عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء لأجل تعزيز قبضته على السلطة في ألمانيا، وكذلك للتخفيف من مخاوف الجيش الألماني حول دور إرنست روم وكتيبة العاصفة التي هي قوة شبه عسكرية تابعة للحزب النازي. ولقد عرضت الدعاية النازية عمليات القتل كإجراء وقائي ضد انقلاب وشيك مزعوم. ولكن التسمية تم إطلاقها بعد ذلك على عدّة عمليات قمع لمحاولات انقلابيّة فاشلة.. ففي تركيا على سبيل المثال، والعام 2016، عاشت أنقرة وكبرى المدن التركية «ليلة السكاكين الطويلة»، التي استطاع فيها أردوغان إفشال ما زعم أنها محاولة انقلابية، تم على إثرها التخلص من خصومه في الجيش والأمن وفي وظائف الدولة، حيث تم استبعاد مئات الآلاف من العناصر التي قال إنها شاركت في المحاولة الانقلابية الفاشلة. واستطاع بمقتضى «ثمار» ليلة السكاكين الطويلة أن يغير الدستور ليصبح النظام السياسي رئاسيّاً، وأن يبسط الرجل سلطته على كامل مفاصل الدولة بطريقة دكتاتورية مقنّعة برداء ديمقراطي. وقد عاشت تونس على ما يبدو في الليلة الفاصلة بين 22 و23 يوليو، ما يمكن تسميته ب«ليلة السكاكين الطويلة»، فقد جرى بث عدة معلومات من مصادر يمكن وصفها بالموثوقة مثل سفير تونس في السنغال سابقاً جلال الأخضر، والتي تحدث فيها عن محاولة انقلابية كان يجهز لها تنظيم الإخوان الدولي، وبدعم من مجموعة من رجال الأعمال الأتراك والذين حسموا أمر الرئيس التونسي وأرادوا التخلص منه بما أنه بات شخصاً غير مرغوب فيه في «التنظيم الدولي لجماعة الإخوان». والأهمّ أن الرئيس التونسي قد استبق الأمر بزيارته لفيلق القوت الخاصة في بنزرت وفي وزارة الداخلية، ليقف بنفسه على حجم المخاطر التي تهدد أمن البلاد. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقيس سعيد شحذ هذه المرة كل سكاكينه الدستورية والقانونية «الطويلة جداً»، ليمارس كل صلاحيات رئيس الجمهورية، ودون أن يترك أي مأخذ قانوني أو ثغرة يمكن أن يؤاخذه عليها خصومه السياسيون. نحن الآن أمام تحوّلات سياسيّة بالغة الأهمّية، في تونس ستنتج عنها لا محالة تغييرات وترتيبات سياسية جديدة، قد تكون صادمة للبعض، ولكنها تدخل ضمن نطاق «اللعبة الدستورية والقانونية التي وضعتها أساساً حركة النهضة لتكون مؤسسات الدولة طيعة بين أيديها، ولكن يبدو أن الرئيس الذي صعد إلى كرسي الرئاسة بأكثر من ثلاثة ملايين صوت، قد طبق مقولة «انقلب السحر على الساحر». تعيين هشام المشيشي وزير الداخلية في حكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة، فيه أكثر من رسالة للتونسيين. فهو جاء في الاحتفال بعيد الجمهورية، الذي غاب عنه رئيس الجمهورية ولم يتوجه إلى البرلمان، في رسالة شديدة الوضوح على أنّه لم يعد يعترف عملياً بهذه المكونات السياسية التي تشكله وتشل البلاد وتريد الإيقاع بها في هاوية الفقر والأزمات. بل إنه على العكس من ذلك توجه إلى مقبرة الشهداء ليترحم على شهداء الاغتيالات السياسية وخاصة الشهيد محمد البراهمي الذي تم اغتياله في 25 يوليو من سنة 2013. كما ترحم على روح الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، الذي توفي في ذات 25 يوليو من سنة 2019 هو أيضاً. كما يأتي التعيين بعد تعهد قيس سعيد بأنه سيدفع إلى الأمام ملفات الاغتيالات السياسية ليكشف حقيقتها التي بقيت غامضة إلى حد الآن. الرئيس التونسي حسم أمره قولاً وفعلاً، في هذا النظام السياسي التونسي البائس، ويريد أن يجهز عليه بالسكاكين الدستورية والقانونية، وقد تحول فعلاً من التنبيه من خطورة الأوضاع إلى عملية الإنقاذ، اعتماداً على كلّ «صواريخه» التي قال عنها منذ أيام «إنها على المنصات وجاهزة للإطلاق في أي وقت». belhedi18@gmail.com
مشاركة :