منى زيدو تكتب: بيروت التائهة عربيًا

  • 8/11/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أوجعنا ما حصل لبيروت عاصمة الثقافة في صحراء مشرقنا المتوسط الذي يئن منذ عقد من الزمن من الحروب والدماء والخراب والقتل والنحر والسبي. دول الجوار لبيروت لم تعد دولا بعدما حولتها الحروب إلى لهيب أحرقت البشر والشجر ولم تبقِ على المجتمعات وعملت على تهجيرها وقتل الياسمين في دمشق. هاهم الآن يريدون قتل وحرق الأرز أيضًا في لبنان كرمىً لتوحش وجشع النخب الحاكمة والفاسدة المتربعة على سدة الحكم منذ عقود من الزمن. باعوا لبنان في أرخص أسواق نخاسة سياسية بمقابل أن يحيا الحزب والطائفة والشخص الفلاني، فقد ظنوا أنهم أكبر من لبنان بعدما ظهرت حقيقتهم المقيتة والمقززة التي كشفت معدنهم الأصلي الذي لم يكن سوى لا شيء ونكرة أمام تاريخ وحضارة لبنان. إنه صراع الفاسدين والطائفيين والأحزاب التي بنوا دولة داخل دولة للتستر على السرقة والفساد ونهب لبنان، لكنهم لم يدركوا أن شعب لبنان أكبر من فسادهم وعنترياتهم الفنكوشية التي لا تساوي شيئًا أمام تفجير الميناء الذي حصل قبل أيام. التفجير الذي لم يهدم بيروت فقط بل عرّى أصحاب اللحى المذهبية والبدلات الرسمية الطائفية. خبأوا لبنان كي يظهروا هم أمام الكاميرات ويقولوا بأن لبنان بخير وأنه عصيٌّ على المتربصين به من العدو الجنوبي. أرادوا تحويل بوصلة الوعي والعقل اللبناني نحو عدو محتمل وحقيقي كي يختبئوا هم وراءه ليعيثوا فسادًا وسرقة وليحولوا الأرز اللبناني الذي كان يومًا ما أحد أسباب الحضارة والتاريخ اللبناني، ليحولوه إلى حطب ونار يلتفون حوله مقهقهين على اغتصاب بيروت وقتل الثقافة الحرة، ليزرعوا مكانها ثقافة الخنوع والاستسلام وثقافة الحزب المقاوم والطائفية المذهبية التي كانت السبب في تفجير بيروت أكثر مما فعلته نترات الأمونيوم. حاول الحزبويون المقاومون والطائفيون أن يقسموا لبنان وفق مقاسات وعيهم النكرة وجهلهم للتاريخ والإنسانية، فهاهم الآن خسروا لبنان ليتحول بعد التفجير إلى مزرعة إقليمية ودولية تتصارع عليها الثيران النهمة والهائجة من تركيا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم من الذين يتربصون بيروت. فهل شعب لبنان يستحق هذا القتل والتفجير والدمار فقط لكي يتم اخراج ايران من لبنان. ألا يوجد حكيم وعاقل في لبنان كي يجعلها وطنًا للشعب وليس مزرعة لهذا الحزب أو لتلك الطائفة. بيروت التائهة عربيًا الذين هم في غفلتهم ينعمون وتاركين تركيا وإيران والغرب يستبيحها لأجنداته ومصالحه.  أنتم أيها الفاسدون من دمر بيروت ورجتم الآن تبيعونها في مؤتمرات افتراضية معلوماتية عبر النت لمن يدفع أكثر من الدول المانحة لترقيع بكارة بيروت بعدما اغتصبتموها بعقليتكم الطائفية. متى كانت الدول المانحة الرأسمالية جمعية خيرية تمنح أموالها لمن هبَّ ودبَّ من دون مقابل. بالفعل حينما يكون الوطن من دون صاحب ورئيس يتبناه ويصونه ويدافع عنه، حينها يتحول الوطن لمجرد كأس خمر يباع في أقرب دور دعارة سياسية ليستمتع مفسدوه لصراخ الوطن وهو ينتظر أي عابر سرير ليمحوا ذاكرة الجسد من لبنان، كما قالتها (أحلام مستغانمي). وما سيتبقى لن يكون سوى جثة تعيش سكرات موت أحزابها وطوائفها وزعماؤها وبيكواتها الذين لم يعرفوا قيمة الأرز ولم يتذوقوا بعمرهم نكهة قهوة فيروز الصباحية، بل كانوا يشربون دم لبنان ويستمتعون به على أصوات المآذن المذهبية والكنائس الطائفية. تفجير لن تكون فيه بيروت بعده كما قبله، بل ستتحول بيروت إلى مقبرة للفاسدين من دون استثناء وستحل عليهم لعنة بيروت كما كانت لعنة بابل. لأن بيروت التي نعرفها ليست بيروت زعماء العمائم واللحى وليست بيروت البدلات الرسمية التي تخفي بداخلها وحوش امتهنت السرقة والخراب ولا شوارب اخفت أنياب العنتريات الأصوات العالية والخاوية. بيروت هي بيروت الحرية والسلام والأرز، بيروت التي نعرفها ولن نقبل بدلًا عنها هي بيروت قلب فيروز ونكهة قهوتها وهي بيروت الرحباني وجبران خليل جبران ووديع الصافي وملحم بركات، هي بيروت خباز وايليا أبو ماضي وأنطون سعادة وأمين معلوف، والقائمة تطول بهؤلاء العمالقة التي رسموا لوحة بيروت في ربوع المنطقة. هذه بيروت التي نعرفها والتي ستبقى في ذاكرتنا الآن وفي المستقبل، وسوف تلملم بيروت جراحها ثانية وتعود كما كانت واحة الثقافة والأدب في المنطقة، والحضن الذي يهرب إليه كل من ضاقت به الدنيا.

مشاركة :