سيناريوهات شائكة تنتظر لبنان بعد استقالة الحكومة | | صحيفة العرب

  • 8/12/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تعطي حالة الفراغ السياسي، الذي ستتركه الحكومة اللبنانية بعد تقديم استقالتها على خلفية التداعيات المدمرة التي خلفها انفجار مرفأ بيروت الأسبوع الماضي، لمحة عن السيناريوهات المحتملة أمام السلطة السياسية “المنبوذة” من قبل الطبقة الشعبية، إذ يجمع مراقبون على أن الوضعية الجديدة ستتحول إلى ما يشبه الحرب بين خصمين، ولن يكون فيها أي رابح نظرا لوصول الجميع إلى نقطة اللاعودة في أسوأ أزمة تعيشها البلاد في تاريخها الحديث. بيروت- تتزايد القناعة لدى طيف واسع من المراقبين السياسيين في أن لبنان سيدخل في أزمة أكثر تعقيدا من تلك الفترة التي ظلت فيها الدولة بلا رئيس لمدة عامين، أو حتى الفترة التي عاشتها البلاد دون ميزانية حكومية لأكثر من عقد من الزمن. ومن المؤكد أن استقالة الحكومة برئاسة حسان دياب، بعد أيام على انفجار مرفأ بيروت المروع، فتحت الباب أمام سيل جارف من الأسئلة الجديدة التي تحتاج إلى أجوبة عاجلة لا تحتمل التأجيل حول المرحلة المقبلة في وقت فقد اللبنانيون المنهكون المثقلون بالأحزان الثقة في كل شيء. وكان دياب قد كلّف في ديسمبر الماضي بتشكيل حكومة قدّمت على أنها حكومة من “التكنوقراط” و”المستقلين” مع مهمة “إنقاذ” لبنان، ولكن الواقع أنها ولدت بدعم من طرف واحد هو حزب الله وحليفه تيار رئيس الجمهورية ميشال عون. ومنذ اليوم الأول لتشكيلها وحتى استقالتها، لم تتمكن الحكومة من اتخاذ قرار واحد “مستقل”، بل كانت خاضعة في كل القرارات الصغيرة والكبيرة، من التعيينات إلى المفاوضات الفاشلة حول الإنقاذ المالي مع صندوق النقد الدولي، للطرف السياسي الذي أتى بها. ومن خلال هذه المؤشرات، فإن أمام القوى السياسية الحالية، التي باتت منبوذة من الشعب، سيناريوهات تبدو معقدة للخروج من الورطة أبرزها إعادة خلط الأوراق من أجل نظام سياسي بديل بعيدا عن المحاصصة الحزبية ولا يحمل “جينات هجينة” قد تؤدي إلى انهيار مؤسسات الدولة نهائيا. وتتمحور السيناريوهات المطروحة حول ماذا ينتظر لبنان بعد الانفجار واستقالة الحكومة وهل سيشهد أي تغيير حقيقي وما هو موقف القوى الدولية والشارع. ويبدو أن الأزمة جعلت الجميع في نقطة اللاعودة إلى الوراء مهما كانت التكاليف باهظة لأن الأمور باتت على المحك وأن الحلول التقليدية المطروحة تبدو واهية وتحتاج إلى نقلة نوعية في الخارطة السياسية برمتها وهذا يتطلب وقتا وجهدا ومالا لن تكون الدولة المفلسة قادرة على تنفيذه. منذ أشهر يطالب اللبنانيون بتغيير نظام قائم على المحاصصة الطائفية والسياسية وبرحيل كل الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والإهمال وحتى الاستهتار بحياتهم، وأتى انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الجاري ليزيد إصرارهم على المواجهة. وبعد وقوع الانفجار، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة إلى بيروت، إلى “تأسيس ميثاق جديد وبناء نظام سياسي جديد”. كما أقر رئيس الجمهورية ميشال عون بعدها بضرورة تغيير النظام. وقال “نحن أمام تغييرات وإعادة رؤية نظامنا القائم على التراضي بعد أن تبيّن أنّه مشلول ولا يمكن اتخاذ قرارات يمكن تنفيذها بسرعة”. ولكن تغيير طبيعة النظام السياسي الذي يصفه كثير من المحللين بـ”الأعرج”، قد يكرس اتجاها آخر أكثر ضبابية بالنظر إلى طبيعة البلاد المقسمة إلى طوائف كل منها تنتمي إلى طيف ديني معين. ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان، أن الانفجار قد “يُغير قواعد اللعبة”. ويقول إن “لبنان يقف على مفترق طريق مؤلم وصعب في آن”. ورجح خشان خلال حديث مع وكالة الصحافة الفرنسية صعود تشكيلات سياسية جديدة وإن كانت البلاد ستدخل، وفق قوله، في فراغ كون الحكومة الجديدة لن تتشكل قبل أشهر. ويُظهر التاريخ أن تشكيل الحكومات في لبنان ليس بالأمر البسيط في ظل تعقيدات التركيبة الاجتماعية الطائفية والمذهبية، وتجاذبات بين قوى خارجية داعمة للقوى السياسية، على رأسها إيران وسوريا والسعودية والغرب. ولا يبدو أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية اللبنانية جيفري كرم متفائلاً باحتمال حصول تغيير جدي. ويؤكد أنه من شبه المستحيل الاعتقاد بأن الانفجار سيزيل الطبقة السياسية بالكامل حيث أن المصالح الضيقة ومصالح النخبة ستوقف أي تقدم ذا مغزى. وإثر الانفجار توالت الدعوات لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، طالب بها أيضاً رئيس الحكومة المستقيل، والذي أنضم إلى “جوقته” حتى الآن تسعة نواب على الأقل استقالوا من البرلمان. لكن كرم يعتقد أن أي انتخابات نيابية ستعيد الوضع إلى ما كان عليه، معتبراً أنها قد تؤدي إلى “تغيير بسيط في التكتلات والمقاعد بدلاً من تحقيق تغيير كامل في النظام المذهبي والطبقة السياسية الفاسدة”. تقفز أمام الأوساط السياسية سواء في داخل لبنان أو خارجه العديد من الأفكار، التي ستبدو في حالة تنفيذها كمن يشعل عود ثقاب في البارود وهو سيناريو يمكن أن يحدث زلزالا سياسيا مدمرا سيأتي على الجميع دون استثناء. ويرى الخبير السياسي جيفري كرم أن السيناريو الأكثر رعباً هو الدعوات لتشكيل حكومة وحدة وطنية وحتى وإن تألفت من مستقلين واختصاصيين مزعومين تحت عنوان إغاثة ومساعدة لبنان، واعتبر أن هذه المسألة لو تم تطبيقها على أرض الواقع ستعيد البلاد إلى نقطة الصفر. ورغم أن ماكرون دعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي، إلا أن هذا الخيار، على صعوبته، يعتبر أمرا مثيرا للجدل. ولم تكن آخر تجربة حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري، على سبيل المثال، ناجحة، إذ سقطت بعد نحو ثلاث سنوات على تشكيلها على وقع احتجاجات ضخمة في الشارع في أكتوبر الماضي. وكانت تضم ممثلين عن معظم الأحزاب السياسية وولدت بعد سنتين من فراغ في سدة رئاسة الجمهورية إثر تسوية هشة شلت المؤسسات وعطلت القرارات. وبعد سقوطها المدوي في الشارع، كُلف الأستاذ في الجامعة الأميركية حسان دياب بتشكيل حكومة قدمت على أنها من التكنوقراط، لكنها لم تكن تمثل إلا قوى سياسية بعينها تتمثل في حزب الله المدعوم من إيران، والرئيس عون. وخلال الأيام الماضية، تعرض عون لحملة شعبية هي الأعنف تطالبه بالاستقالة، بينما ارتفعت أصوات تهاجم حزب الله وتنتقد تحكمه بمفاصل الحياة السياسية. وبعد استقالة دياب، طرحت أسماء محتملة لتولي مهمة تشكيل حكومة، بينها الحريري الذي لا يزال يتمتع بقاعدة شعبية لا بأس بها في أوساط الطائفة السنية، لكن عودته مستبعدة مع استمرار النقمة عليه بين المحتجين الذين هتفوا “سعد، سعد، لا تحلم فيها بعد”. لا يجد المتظاهرون في استقالة حكومة دياب حلا، ويطالبون بمحاسبة المسؤولين عن الانفجار وبرحيل الطبقة السياسية التي تتحكم بالبلاد منذ عقود. ويُكرر هؤلاء شعار “كلن يعني كلن” أي الجميع يعني الجميع. ولا يبدو المحللون متفائلين بقدرة الشارع وحده على التغيير أمام قوى سياسية اعتادت المناورة والكذب لتحقيق غاياتها. ويؤكد كرم أن الطبقة الحاكمة ستمتص الصدمة والغضب والإحباط وستستغل الدماء في الشارع وآلاف الجرحى والمفقودين لتطرح وعوداً قصيرة الأمد لتخلق نوعاً من الشعور بالعودة إلى الحياة الطبيعية. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية “لدى طبقتنا السياسية مناعة تجاه المأساة وخصوصاً أن نحو غالبيتها مؤلفة من زعماء حرب، وبالتالي فإن آلاف الضحايا، لن يحركوا فيهم شعوراً بالذنب بالنظر إلى تاريخهم”، لكن ناشطين يؤكدون أن “الثوار” هذه المرة سيلازمون الشارع، لأنهم “لم يعد لديهم ما يخسرونه”. وفي خضم ذلك يحاول المجتمع الدولي مساعدة لبنان في مأساته ولكن بالكثير من الحذر خاصة وأن الطبقة الشعبية تريد إقصاء المؤسسات الحكومية من إدارة أي أموال دولية قد تحصل عليها بلادهم. وقد شكل الانفجار مناسبة جديدة للمجتمع الدولي ليجدد شرطه على لبنان بوجوب تنفيذ إصلاحات أساسية مقابل الحصول على دعم يخرجه من دوامة الانهيار الاقتصادي. الأمور باتت على المحك والحلول التقليدية المطروحة تبدو واهية وتحتاج إلى نقلة نوعية في الخارطة السياسية برمتها وتعثرت المفاوضات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي منذ أسابيع بسبب عدم تقديم الوفد اللبناني المفاوض رؤية موحدة حول تقديرات الخسائر المالية. كما لم تُحقق الحكومة أي إصلاحات. وتعهد المشاركون في مؤتمر دولي نظمته فرنسا بعد الانفجار بمساعدات عاجلة بقيمة حوالي 300 مليون دولار. ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية باسل صلوخ “لم يعد لدى النخبة السياسية هامش مناورة. سيكون من الصعب عليها تفادي إجراء إصلاحات ضرورية”. لكنه يضيف “هل سنشهد اقتلاع النظام السياسي؟ لا، لكنهم سيُجبرون على تقديم تنازلات قاوموها طويلاً”.

مشاركة :