فرضُ نقابة الصحافيين في مصر شروطا صعبة على الراغبين في الانضمام إليها جعل الكثير من الصحافيين يمارسون المهنة دون بطاقة صحافية، ويواجهون الآن تهمة منتحلي صفة صحافي. القاهرة - تشنّ نقابة الصحافيين في مصر حربا ضد ما تسمّى بـ”الكيانات الوهمية” التي تقوم بانتحال الصفة الصحافية، ويبلغ عددها نحو 18 ألفا، وتعمل على تزوير بطاقات مزاولة المهنة، بغرض تقديم مادة إعلامية ذات توجهات سياسية معارضة أو الحصول على تسهيلات يُفترض أن تُقدم للصحافيين. وتأتي الحملة بينما يعاني الهيكل الصحافي من أزمات عدة، حيث يجد الآلاف من العاملين في المهنة أنفسهم قيد التضييق وتهمة “انتحال صفة صحافي” لعدم انتمائهم إلى النقابة المعترف بها رسميا في حال نشروا مواد تمس الأمن القومي. ويعمل الصحافي عبدالله محمود (اسم مستعار) في المهنة منذ سنوات، صقل مهاراته فيها بين التحرير والتصوير مدعوما بدراسة الإعلام في جامعة الأزهر، وحصد جوائز عدة نظير مواضيع وصور، ورغم ذلك لا يزال الصحافي الشاب غير معترف به وفق القانون المصري، إذ أنه غير منتسب إلى نقابة الصحافيين. ويواجه الانتماء إلى النقابة بشروط مختلفة، يراها البعض صعبة ومجحفة، حيث لا تعترف النقابة بالممارسين بعد تقديمهم ما يفيد عملهم في الصحافة لسنوات، بل يُشترط أن تقوم وسيلة إعلامية ورقية منتظمة الصدور، مدرجة داخل النقابة بتعيينهم، ثم تقديم أوراقهم لطلب العضوية، سواء كانت الصحف قومية أو مستقلة أو حزبية. ويخضع الصحافي لاختبارات متعددة، حتى يُعترف به أخيرا كعضو تحت التمرين ثم عاملا، في النقابة، وهي العملية التي لا تستوعب سوى بضعة مئات سنويا، فيما الجامعات تُخرج الآلاف من الطلاب ممن يُفترض أن ينضموا لسوق الشغل بعد تخرجهم. ويرى مراقبون، أن تلك الإجراءات الطويلة سبب رئيسي في ظهور كيانات موازية لاستقطاب شباب الخريجين، وإغراؤهم بالحصول على بطاقة صحافية مقابل الآلاف من الجنيهات، وممارسة العمل الصحافي عبرها. غير أن نقابة الصحافيين المصرية (الجهة الرسمية) بدأت في شنّ حرب على تلك الكيانات ترى أنها تمثل خطرا على المهنة والدولة معا، خصوصا مع ارتكاب جرائم تزوير، حيث أن استخراج أي مستند رسمي مثل جواز سفر أو هوية الرقم القومي، يحمل صفة صحافي دون أن يكون خارجا عن نقابة الصحافيين، يعدّ تزويرا. وعمليا، لا يتعرض الصحافي غير المنتسب إلى النقابة إلى مضايقات، طالما لم ينشر مادة مثيرة على المستوى المجتمعي أو السياسي، غير أن المتاعب تبدأ حين يعمل أحد منهم في مراسلة مواقع معروفة بانتماءاتها السياسية المعارضة، أو ينشر مادة تتضمن انتقادات للحكومة. وعادة ما تتدخل نقابة الصحافيين للدفاع والضغط من أجل الإفراج عن الموقوفين أمنيا خلال تأدية العمل الصحافي، وإذا ما كان الصحافي عضو نقابة لا يستغرق الأمر سوى ساعات، فيما تطول الإجراءات أكثر إذا كان ممن ينطبق عليهم وصف “منتحلي الصفة” قانونا، لحين تدخل النقابة لضمانهم على اعتبارهم فئة تمارس المهنة تمهيدا للالتحاق بالنقابة. ظاهرة الصحف الصادرة بتراخيص أجنبية تضخمت بسبب الرغبة في الهروب من البيروقراطية والتراخيص الباهظة ويفسر هذا التباين الخلاف الدائر بين منظمات حقوقية ووسائل إعلام خارجية والحكومة المصرية حول أعداد المعتقلين ممن يمارسون حرية الرأي والكتابة، حيث غالبية المقبوض عليهم من غير المنتمين للنقابة الأصلية، وتعتبرهم الدولة غير ذي صفة مهنية إعلامية. وتوجد مشكلة أساسية تتمثل في طول الفترة التي يستغرقها الصحافي عادة لحين الالتحاق بالنقابة، فالأزمة تتعمق لدى الآلاف من العاملين في تلك الصحف ذات التراخيص الأجنبية، إذ أنهم غير مُعترف بهم من قبل النقابة المصرية، أي أن العاملين فيها لا يمكن أن ينضموا إليها ونيل الاعتراف الرسمي بهم سوى بالعمل في إحدى المؤسسات المعترف بها. ويعاني سوق الصحافة في مصر أزمة على وقع انخفاض أرقام التوزيع، وانصراف المعلنين إلى وسائل أخرى، في مقدمتها مواقع التواصل الاجتماعي، ما عمق مشكلة التمويل وإغلاق العديد من الصحف والمواقع. لذا، فإن إيجاد فرص داخل تلك المؤسسات يعد أمرا صعبا، ويضع الكثير من هؤلاء أمام خيار هجر المهنة، حتى إذا كانوا من خريجي كليات الإعلام، لأن النقابة لم تعد مستعدة لقبول المزيد من الأعضاء، حيث يكلف هؤلاء وزارة المالية الملايين من الجنيهات، والتي تقدم دعما شهريا لكل عضو يبلغ نحو مئتي دولار، وعدد الأعضاء الرسمي نحو 10 آلاف صحافي. ويقول عضو مجلس نقابة الصحافيين حماد الرمحي لـ”العرب” “الكيانات الوهمية في مصر نحو 5 آلاف كيان، تنقسم بين صحف صادرة بتراخيص أجنبية ومراكز تعليمية وتدريبية تمنح شهادات وهمية، بموجبها يقوم الحاصلون على بطاقات بتغيير الصفة الرسمية في الهوية كصحافي أو رئيس تحرير أو خبير إعلامي وهكذا”. وأرجع تضخم ظاهرة الصحف الصادرة بتراخيص أجنبية، إلى الرغبة في الهروب من الروتين والبيروقراطية والإجراءات الحكومية، والتكاليف الضخمة لإصدار الصحف في مصر، وتتطلب إيداع مبلغ يتراوح بين 6 ملايين إلى مليون جنيه (الدولار نحو 16 جنيها)، حسب دورية صدورها، ومبلغ 100 ألف جنيه في حالة الموقع الإلكتروني، في الوقت الذي لا تتكلف الرخصة الأجنبية سوى نحو 3 آلاف جنيه. وينتمي إلى تلك الكيانات بحسب الرمحي، من 18 إلى 25 ألف شخص، ولا يمكن تصنيف الكثيرين منهم تحت بند “منتحلي الصفة” لعدم حصولهم على عضوية نقابة الصحافيين، مع ذلك فهم أمام القانون من منتحلي الصفة، رغم ممارستهم للعمل الصحافي. ويشير إلى أن نحو 2500 شخص منهم يعملون في المجال فعليا، قائلا “عدد الصحف الأجنبية التي تصدر بصورة دورية ومنتظمة الصدور لا يتجاوز 500 صحيفة فقط، ومن ثم يصبح عدد العاملين بتلك الصحف نحو2500 عامل تقريبا، وهو عدد لا يستهان به بحيث تُسهل لهم تلك الكيانات، دخول كافة المصالح والدوائر الحكومية وجمع البيانات والمعلومات التي قد يتم استغلالها بصورة خاطئة”. ولفت إلى أن جميع هذه الصحف وتلك الكيانات الوهمية تمارس نشاطها الإعلامي من خلال صفحات عملاقة تضم الملايين من المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، مستخدمين الرخصة الأجنبية كستار قانوني للتستر وراء العديد من الجرائم المهنية والقانونية والاجتماعية التي تتم باسم الصحافة والإعلام وتهدد الأمن القومي للبلاد. ولا ينص القانون المصري على تعريف محدد وواضح للجرائم التي تمس الأمن القومي، حيث يترك تقديرها إلى جهات التحقيق والقضاء. ويرى البعض في الانتماء لتلك الكيانات مبررا أمام الإجراءات الرسمية لممارسة العمل الصحافي، فيما وصف عضو نقابة الصحافيين هؤلاء بـ”المنحرفين”، قائلا “نقابة الصحافيين تنفذ في إجراءات العضوية فيها ما ينص عليه القانون، وهي عادلة، أما أن يكون الشخص منحرفا يسعى إلى الدخول للمهنة من باب خلفي عبر تلك الكيانات، فهذا خطأه هو وليس بسبب القانون.”
مشاركة :