فيسبوك منصة إعلامية لصحافيين ضاق بهم سقف الحريات | رحاب عليوة | صحيفة العرب

  • 8/25/2020
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

استعاض عشرات الصحافيين عن النشر عبر الصحافة التقليدية، بالمنصات الاجتماعية ونجحوا في صناعة شعبية ومتابعة لهم بفضل اتساع مساحة الحرية في الإعلام الاجتماعي، لكن حلمهم المهني يبقى منصة إعلامية مهنية. القاهرة - سطع نجم عدد كبير من الصحافيين الذين خرجوا من عباءة الصحافة التقليدية عبر موقع فيسبوك وتوجهوا نحو شريحة واسعة من جمهور متعدد التوجهات، وتلقى كتاباتهم وموادهم رواجا أكثر مما يتم نشره داخل المواقع الإخبارية والصحف التقليدية، في تحول يعكس أزمة الإعلام، بعد أن نجح هؤلاء في جذب شريحة كبيرة من القراء. وقال رئيس التحرير السابق لجريدة المصري اليوم، الصحافي أنور الهواري، أنه “يوجد من 30 إلى 50 شخصا يكتبون على مواقع التواصل الاجتماعي كتابات أكثر من ممتازة، في مضمونها أو معلوماتها أو أسلوبها وجاذبيتها للقراء، أو تفاعلها مع مقتضيات اللحظة، أو توافقها مع المزاج العام”. وأضاف أنه “ثمة غيرهم كثيرون وأنا على استعداد للعمل لهم ومعهم وبهم، في صحيفة رقمية، تكون الأولى بفارق كبير، عن كل ما يليها من صحف ومواقع، من المغرب إلى البحرين، نحن بحاجة إلى منصة جديدة لفكر عربي جديد”. وحركت هذه الدعوة المياه الراكدة في بئر الصحافة، بعد أن تحولت صفحات عدد من الكتاب المصريين إلى منصات صحافية أقرب إلى صفحات الرأي في الصحف التقليدية، يتناولون خلالها الأحداث بالتعليق والتحليل والتشريح، في منشور تتماثل عدد كلماته مع عمود أو مقال صحافي. وتعد فكرة تدشين موقع إلكتروني يعنى بالمهنة ويطبق معاييرها دون الخضوع لتوجيهات لرأس المال على نحو مباشر، حلما يراود الكثير من الصحافيين المصريين للخروج من عباءة السياسة التحريرية التي توجه العمل لصالح جهة محددة. وقد هجر عشرات الصحافيين أماكنهم، أو هُجروا منها، بعدما لم تعد تلك الصحف قادرة على استيعاب آرائهم المعارضة، واستعاضوا عن ذلك بمنشورات على مواقع التواصل تتناول الأحداث بالتعليق والتحليل والنقد الرصين، وهي إحدى الأدوار المنوطة بالصحافة. وعلى خلاف المواد الصحافية التي تحتاج المواقع إلى ترويجها بإعلانات مدفوعة عبر الشبكات الاجتماعية، في ظل أزمة قراء كبيرة وفقدان الثقة بين الجريدة أو الموقع والقارئ، لا يحتاج هؤلاء الكُتاب إلى عناء حتى تتداول مواقع التواصل آراءهم وتُعاد مشاركتها، فتحصد آلاف الإعجابات والتعليقات. وتطول قائمة أسماء الصحافيين الذين لم تعد لهم منصة تنشر كتاباتهم سوى مواقع التواصل، منهم الصحافي المصري عبدالعظيم حماد الذي تولى رئاسة تحرير كل من صحيفتي الأهرام القومية والشروق الخاصة، وكان حتى أغسطس الماضي يكتب مقالا منتظما في جريدة الشروق كل أسبوع، حتى أعلن التوقف قائلا “بسبب عطلة وأشياء أخرى أتركها لتقديركم أتوقف عن كتابة مقال الجمعة في الشروق، آملا استئناف الكتابة في ظروف شخصية وعامة أفضل”. أنور الهواري: الصحافة صنعة لإنتاج الأخبار ويستحيل أن يقوم بها إلا صحافيون أنور الهواري: الصحافة صنعة لإنتاج الأخبار ويستحيل أن يقوم بها إلا صحافيون وتضم القائمة أيضا الصحافي ورئيس التحرير السابق لدورية “الكتب وجهات نظر” أيمن الصياد، وجلال نصار رئيس تحرير الأهرام ويكلي السابق، والكاتب الصحافي أنور الهواري، فضلا عن عدد من الأكاديميين وأساتذة الجامعات المرموقين. واختار هؤلاء منصة فيسبوك للاستمرار في ممارسة الدور النخبوي والمهني لهم، معتبرين أنه الخيار الأفضل، حيث يتيح لهم الموقع الاستمرار في التواجد على الساحة والتأثير على نحو أكبر مما تحققه الكتابات المسقوفة، ولا يحسبون على فصائل سياسية في عداء مع السلطة، إذا لجأوا إلى الكتابة في إحدى منصاتهم التي تتجاوز المهنية إلى أجندة سياسية موجهة. ويرى مراقبون، أن تدشين منصة رقمية تجمع هؤلاء الكتاب لن يكون يسيرا في ظل أزمات عدة تواجهها الصحافة، وفي مقدمتها السقف المحدود للحريات، والذي تتجاوزه آراء هؤلاء الكتاب، علاوة على أزمات بيروقراطية وتمويلية. ويحتاج تدشين موقع إلكتروني جديد إلى تصريح من المجلس الأعلى للإعلام، ورسوم بقيمة 50 ألف جنيه (نحو 3 آلاف دولار)، ولا يمنع ذلك أن يتعرض الموقع في ما بعد للحجب على نحو غامض. ورغم ذلك يؤكد الهواري، على ضرورة البحث عن حلول خارج الصندوق، مؤكدا أن فيسبوك لا يمكن أن يكون بديلا للمهنة. ويوضح لـ”العرب”، “المهنة ليس عندها بديل إلا المهنة ذاتها، وسائل التواصل الاجتماعي، هي في النهاية منصات وليست صحافة من قريب أو بعيد”. وأضاف،”الصحافة بكل أشكالها ورقية أو رقمية أو إذاعية أو تلفزيونية هي صنعة لإنتاج الأخبار والمعلومات الدقيقة، ويستحيل أن يقوم بهذه المهنة إلا صحافيون وإعلاميون محترفون ومدربون، لافتا إلى أنهم لا يزالون في طور المناقشة والمداولة للفكرة التي طرحها حول إنشاء موقع إلكتروني جديد”. وطرحت في الأوساط الصحافية منذ فترة فكرة تدشين موقع قائم على التمويل الذاتي للصحافيين، ويشارك العاملون فيه بأسهم في الملكية، ويقتسمون الأعباء والأرباح معا، غير أن ذلك الحلم يصطدم بالواقع الذي يؤكد أن الإعلام لم يعد صناعة مربحة في ظل انصراف المعلنين إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفقدان الثقة مع الجمهور. ويرد بعض الخبراء بأن السبب الرئيسي في انصراف المعلنين وفقدان الثقة مع الجمهور ارتباط الصحف بتوجهات معينة، وتراجع هامش الحرية، والانصراف إلى تحقيق الإثارة عن تناول قضايا المواطنين، وبالتالي فظهور أيّ منصة تعتمد على المهنية وتنتصر لها سوف تفرض نفسها وتستعيد الثقة مع القارئ. وأصبحت تلك الإشكاليات مسار حديث دون اختراق حقيقي، فهي من الطموحات التي يسعى إليها بعض الصحافيين، لكن لا يعرفون كيف يتم تنفيذها، أو يخشون من الصدام مع الحكومة، لأن موقعا من هذا النوع سوف يضايقها، ويضع رجالاتها في حرج. ولا تقتصر تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي على الصحافة لكونها منصات بديلة لمن أغلقت في وجوههم أبواب الصحف أو رفضوا الانصياع لسقفها، بل تعد ساحة اللمعان الرئيسي، فحتى الصحافي الذي يكتب في جريدة منتظمة يبادر بمشاركته أو نشره أحيانا نصا فقط دون رابط إلكتروني على صفحته، في ظل الإيمان بأن الجمهور بات عازفا عن تلك المواقع، وأن الصحافة هي التي يجب أن تذهب إليه. ولم تغفل القوانين المصرية أهمية تلك المنصات وخطورتها، ولم تسمح للكُتاب الذين فروا من المواقع إليها بالإفلات من سيوفها، حيث نظم قانون الصحافة والإعلام الصادر في العام 2018، تلك المواقع كمنصات إخبارية، وجعلها في نظر القانون تعامل معاملة المواقع الإخبارية، طالما تجاوز عدد المتابعين للموقع الواحد 5 آلاف متابع، علما بأن أيّا من هؤلاء الصحافيين يتجاوز عدد متابعيه هذا الرقم بكثير. ويتعرض من ينشر أخبارا كاذبة أو تحرض على العنف أو تهدد السلام المجتمعي للسجن، الأمر الذي جعل فكرة الحرية المطلقة التي يتمتع بها هؤلاء على فيسبوك محدودة بضوابط قانونية يمكن تطبيقها في أيّ لحظة، ما يجعل التمادي في النشر على الصفحات الخاصة محفوفا بمخاطر مجهولة.

مشاركة :