يعتبر السيناريست المصري خالد جمال من القلة العاملين في مجال كتابة السيناريو للرسوم المتحركة، بل هو رائد في هذا المجال في مصر، لذا فهو حريص على نقل خبرته للأجيال الحالية، ويبدي رأيه كعضو في عديد من لجان التحكيم، ويحاضر في ورش عن ذلك النوع الخاص من الكتابة. “العرب” التقت الكاتب في حوار حول هذا النمط الكتابي غير المعروف والدارج عربيا. القاهرة – لم يكن السيناريست المصري خالد جمال يتخيل وهو طفل يذهب إلى سينما مترو وسط القاهرة كل يوم جمعة، ليتابع بنهم مسلسلات “توم وجيري” الشهيرة، أنه سيصبح ذات يوم كاتبا للرسوم المتحركة. تترك مشاهد الطفولة مخزونها ورواسبها داخل كل منا، ومع جمال كان تركيزها أكبر، فخياله الطازج وقدرته على رسم صور جمالية جعل مجال الرسوم المتحركة يلاحقه دوما. يعمل الآن على قصة وسيناريو مسلسل لايف، لكنه يحمل روح الكارتون، اسمه المبدئي “البعد السابع”، وتنتمي قصته إلى عالم “الفانتازيا النفسي”، وتؤكد أن الكاتب الذي ظل غائصا في الرسوم المتحركة لنحو ثلاثين عاما بات يحمل قلما رشيقا وأفكارا مبتكرة، تعانق الخيال وتحمل القيم وتحاصر قبح العالم وواقعتيه بكوميديا غير متكلفة. عالم غامض خالد جمال: عالم الرسوم المتحركة مخزن للأسرار والفضول على مستوى الصورة والكلمة خالد جمال: عالم الرسوم المتحركة مخزن للأسرار والفضول على مستوى الصورة والكلمة تنوعت أعمال جمال بين كتابة مسلسلات كرتونية منها “المغامرون الخمسة” و”عصام والمصباح” و”إيد على إيد”، وأفلام قصيرة من بينها أول فيلم للرسوم المتحركة عن حرب أكتوبر، وأعمال أخرى تنوعت بين الست كوم الأول في مصر “وأنت عامل إيه”، والأفلام، ومنها “اللبيس” و”درس خصوصي”. يعد عالم الرسوم المتحركة مخزنا للأسرار والفضول، ليس فقط على مستوى الصورة التي هي مبهرة بطبيعتها الفانتازية، إنما على مستوى الكلمة التي يجب أن تطوع بحيث تتلاءم مع الأجواء السحرية للعمل وتربطه بالواقع في آن، وتطلق من خلاله الحكم والعبر دون مغالاة أو تنظير، والأصعب أن تأتي متلائمة مع إدراك الطفل، غير ساذجة بالنسبة لمن هم أكبر. مثلت تلك الخلطة تحديا بالنسبة إلى الكاتب ومنبعا لتساؤلات كثيرة دارت في وجدانه للمرة الأولى قبل أكثر من 30 عاما، حين وجهته إحدى زميلاته لقدرته على خلق صورة مبهرة تمتزج فيها الكوميديا بالخيال، بعدما قرأت سيناريوهات لصور صوتية أعدها لطلابه في قسم الصوت، وجمعته مع شركة إنتاج تبحث عن سيناريست لعمل كارتوني. يقول خالد لـ”العرب”، “تخرجت في قسم السيناريو، درسته بداية من أرسطو حين بدأ في استخراج قوانين الدراما، وعرفت تاريخه وتطوره وأسراره، لكن ولا مرة تطرق موضوع الدرس إلى عالم الرسوم المتحركة، هذا عالم غامض بالنسبة لنا، كنت قلقا داخل عقلي لتراكم التساؤلات، لكن قررت خوض التجربة معتمدا على مخيلتي”. يمتلك الكاتب روحا مرحة، وقدرة على التبسيط والشرح، اكتسبها من غوصه الطويل في عالم الرسوم المتحركة، يقول “أي عمل يمكن أن نتناوله في أشكال فنية مختلفة، هاملت للكاتب الإنكليزي شكسبير، يمكن أن أقدمها في صورة عمل مسرحي أو رقصة باليه أو فيلم سينمائي، كل مرة توجد تفاصيل وطرق معينة أعبّر بها عن القصة، في الباليه مثلا يُحذف الحوار، ونترجم الحالة إلى موسيقى ونعبر عن الأحداث بالحركة”. ويشير إلى ما تمثله الكتابة للرسوم المتحركة من تحدّ، خصوصا لدى طلاب كليات الفنون الجميلة والتطبيقية، ممن يضطرون إلى كتابة سيناريوهات لأفلامهم تخرج غير مثمرة، إذا لجأوا إلى قواعد السيناريو بوجه عام دون إدراك الخصوصية التي تتمثل في تفاصيل التناول كي تتلاءم مع عالم الرسوم المتحركة وكيفية إضفاء الخيال على الفكرة. ويضيف لـ”العرب” أن صلاحية السيناريو للتصوير الحي تحمل دلالة عطبه كرسوم متحركة، والنص الذي يفتقر الخيال والفانتازيا لن يصبح رسما جيدا، وهذا لا ينطبق على القصة، أي لا يعني أن القصة يجب أن تكون خيالية، فقصص حقيقية يمكن أن تقدم رسوما بشرط استخدام مميزات ذلك العالم في رسم الصورة والحالة. صحبت تلك المعادلة السيناريست طيلة مشواره، وجعلته ينجح في تقديم قصص متباينة، حتى أنه صور السرطان كشخصية في مسلسل “إيد على إيد” الذي ظل يقدم طيلة أربع سنوات في موسم رمضان، كما قدم أول عمل له في الرسوم عن “علماء العرب” فنجح في إخراج إسهامات الحسن بن الهيثم في صورة كارتون. ويؤكد جمال لـ”العرب”، أن حلاوة الرسوم المتحركة تكمن في أن السيناريست يحلم بعيون تحمل بريقا طفوليا وأفكارا مرتبة تعكس عقلا منظما، وخيالا حاضرا ونبرة صوت حالمة توحي بأن مجال الرسوم المتحركة يمس كاتبه بضرب من التصوف، يجعله كدرويش وليس كاتبا تقليديا. من هو على صلة بالتصوف، يعرف معنى الحالة التي تنتاب الدرويش في ذكر طبيعة التحليق في الحلقة، لا يستغرب حالة السكر دون كُحل، السيناريست أيضا له حالة في الكتابة على درجة عالية من الخصوصية والتواصل، حين يبدأ فكرة يجب أن يترك لها المجال لتتمدد بحرية، وتصل إلى حيث تريد، ولو قاطعها مؤثر خارجي تجافيه. ويقول “قد أجلس 3 أيام أفكر في حلقة واحدة، لكن بمجرد أن أبدأ في كتابة المشهد الأول لا أنهض سوى بكتابة الحلقة كاملة، فأنا أراها تحضر في مخيلتي وأصبها على الورق، تأتي متتابعة، ولو حدثت مشكلة ما بأن انقطعت الكهرباء أو انغلقت صفحة الكتابة دون حفظ، مستحيل أن أعود لأكتب الشيء نفسه، لا يخرج هو، وأجده دائما شيئا مختلفا بوحي آخر”. وينبه السيناريست إلى أن الكتابة للرسوم المتحركة لا تعني ضربا من التخريف، فالسيناريست حين يصنع عالما ما عليه أن يضع له قواعد صارمة تحكمه، لا يستطيع هو نفسه أن يتخطاها، وهنا تأتي منطقية العمل. رومانسية وواقعية حلاوة الرسوم المتحركة تكمن في أن السيناريست يحلم بعيون تحمل بريقا طفوليا وأفكارا مرتبة حلاوة الرسوم المتحركة تكمن في أن السيناريست يحلم بعيون تحمل بريقا طفوليا وأفكارا مرتبة يعد جمال حالة خاصة، فرغم رومانسيته الحالمة هو واقعي أيضا، يقول “كي أحلم يجب أن أحلم في إطار إمكانياتي، فالحلم المجرد جنون يقود صاحبه إلى عقد نفسية، لذا يلمع الموهوبون في الرسوم المتحركة ممن لديهم قدرات وإمكانيات، رغم الظروف القاسية، أما أن نحلم برسوم تنافس والت ديزني في ظل الأوضاع والإمكانيات الحالية فذلك ليس حلما قابلا للتطبيق، ولا يتحمله المنتجون”. ويوضح أنه لا يجوز أن آتي بأعرج وأضعه في مسابقة للجري، فالمطلوب ثقل القدرات بالمجهود الذاتي للفنانين، فالدراسة ترتب أدمغتهم، لكن لن تجعلهم يبدعون وحدها، فضلا عن التقدم التقني كل يوم في مجال الرسوم المتحركة. يتواجه كاتب الرسوم المتحركة مباشرة مع إشكالية هي الأبرز في عالم الرسوم، المتمثلة في الفئة العمرية، هل الرسوم فن طفولي أم للأسرة ككل صغارها وكبارها؟ هنا يشير السيناريست المصري لـ”العرب”، إلى أن كاتب السيناريو للرسوم المتحركة يجب أن يسأل عن الجمهور المستهدف وفئته العمرية، فكتابة مضمون سيقدم لفئة من 3 إلى 5 أعوام يختلف تماما إذا كان المستهدفون فئة من 18 إلى 25، ويختلف إذا كان المضمون يستهدف الجميع. لم يصل الكاتب إلى ذلك سوى بالتجربة، ويحكي عن أول مسلسل كتبه كان لفئة من 3 إلى 5، وجاءت في متنه عبارة “أنا في منتهى السعادة”، فهوجم هجوما شديدا من الشركة المنتجة، وقيل له وقتها “لا يوجد شيء اسمه منتهى بالنسبة للطفل”. رغم الاختلاف الكبير بين السيناريو اللايف والرسوم، تبقى ثمة إشكاليات متشابهة، منها الصدام الذي يحدث بين السيناريست والمخرج، أو العالم المتخيل ورؤية كل منهم والتي تختلف في الكثير من الأحيان. ويذكر جمال أنه يرى المشاهد قبل كتابتها، فهل تخرج كما شاهدها في مخيلته؟ “كي أقرب الأمر في تلك المعضلة فالأمر أشبه حين يقرأ أحد رواية ثم تتحول إلى فيلم ويشاهده، من الصعب أن يرضى عن الفيلم، سيظل خياله بالنسبة إليه أفضل”. ويلفت إلى أن فهم ذلك هو النضج في العمل، وأن يستوعب السيناريست أن الأمر لا يخضع بالكامل لخياله أو رؤيته وحده، وسيتكامل بعدما يندمج مع رؤية باقي فريق العمل، وفي بداية مشواره كان يواجه تلك المشكلة، ويغضب ولا يرضى عن الأعمال بعد تنفيذها، لكن الآن أصبحت لديه تلك القابلية للفهم والتعاون.
مشاركة :