سلط انفجار مرفأ بيروت الضوء على انهيار القطاع الكهربائي في لبنان والذي ظل حجر عثرة أمام كل محاولات الإصلاح وكان على رأس متطلبات المانحين لتطبيق إصلاحات من بينها إقامة هيئة تنظيمية للقطاع وتحديث الشبكة وزيادة الأسعار غير أنه لم يحصل أي تغييرات. بيروت - أحيا انفجار مرفأ بيروت إشكاليات قطاع الكهرباء في لبنان حيث تمت إعادة طرحه خلال مؤتمر المانحين الذي تطرق إلى ضرورة اعتماد مبادرات سياسية قوية لمكافحة الفساد وفرض الشفافية وتنفيذ الإصلاحات وعلى رأسها قطاع الطاقة المثقل بالتجاذبات السياسية والطائفية. وتعهد مانحون وقوى دولية الاثنين خلال مؤتمر طارئ للمانحين الدوليين بحشد “موارد مهمة بلغت 250 مليون يورو لمساعدة بيروت على التعافي من الكارثة وتطالب لبنان بالشفافية في ما يتعلق باستخدام المساعدات. ويعاني لبنان منذ ثلاثة عقود على الأقل من مشكلة متفاقمة في قطاع الكهرباء ذي المعامل المتداعية، ومن ساعات تقنين طويلة تصل إلى 12 ساعة أحيانا، ما أجبر غالبية المواطنين على دفع فاتورتين، واحدة للدولة وأخرى مرتفعة لأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، التي تعوّض نقص إمدادات الدولة. ونقلت رويترز أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تفقد شوارع بيروت المدمرة الأسبوع الماضي بعد الانفجار الهائل في المرفأ، الذي راح ضحيته 158 شخصا على الأقل، وقدم الدعم للشعب اللبناني ووجه رسالة حازمة إلى الطبقة الحاكمة في البلاد. وقال خلال مؤتمر المانحين الدوليين إن ما يحتاجه لبنان هو تغيير جذري مشيرا إلى ضرورة “تبني مبادرات سياسية قوية لمكافحة الفساد وفرض الشفافية وتنفيذ الإصلاحات التي طرحت قبل عامين”. وأضاف أن على رأس هذه الخطوات “إصلاح قطاع الطاقة لحل أزمات نقص الكهرباء التي تؤثر على الشعب اللبناني اليوم”. وكرر ماكرون تلك النقطة أكثر من مرة خلال زيارته التي استمرت يوما واحدا. والاثنين أعلن رئيس الوزراء حسان دياب استقالة حكومته في مواجهة الغضب الشعبي المتزايد. يعاني لبنان منذ سنوات من انقطاعات الكهرباء. ويرى كثيرون من اللبنانيين أن عجز الدولة عن توفير الكهرباء بشكل يمكن الاعتماد عليه أصبح رمزا لأوجه الفشل الأخرى في البلاد. وأصبحت عبارة “الكهرباء راحت” من بين أوائل العبارات التي ينطقها الأطفال هنا. وكل يوم ينقطع التيار فتنطفئ الأنوار وتتعطل البرادات (الثلاجات) وأجهزة الغسيل لساعات عندما يتوقف التيار الوارد من شركة كهرباء لبنان المملوكة للدولة. ورغم كل ذلك تُمنى الشركة بخسائر تصل إلى ملياري دولار سنويا تمثل نحو ثلث العجز في الموازنة اللبنانية. ومنذ مؤتمر المانحين الذي انعقد في باريس في 2018 أبدى البنك الدولي ودول غربية وعربية استعدادا لضخ المليارات من الدولارات لمساعدة لبنان على ترتيب أوضاعه المالية والبنية التحتية بدءا بالكهرباء، وذلك بشرط واحد أن تطبق بيروت إصلاحات من بينها إقامة هيئة تنظيمية للقطاع وتحديث الشبكة وزيادة الأسعار في نهاية المطاف إذ أنها لم تتغير منذ التسعينات. وعلى مدار العامين الأخيرين ظل المانحون يراقبون الوضع محبطين بينما انهار الاقتصاد اللبناني ولم تطبق أي إصلاحات وتجادل الساسة حول موقع بناء محطة كهرباء جديدة. وكان السبب الرئيسي وراء كل ذلك هو الخلفية الطائفية والفئوية للنظام السياسي في البلاد التي يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة موزعين على مذاهب عديدة إسلامية ومسيحية. وفي ظل هذا الجمود السياسي بخصوص المحطة ازدادت انقطاعات الكهرباء سوءا. ومنذ أكتوبر الماضي خرج الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع للاحتجاج على الطبقة الحاكمة في البلاد وكانت شبكة الكهرباء المتعثرة على رأس قائمة المظالم. وقالت سميرة العزار التي تعمل مديرة لصالة تمرينات رياضية “أمضينا عشرة أيام بلا كهرباء على الإطلاق”. وكانت قد انضمت الشهر الماضي للاحتجاجات خارج مقر شركة الكهرباء في بيروت والتي تم وضع أسلاك شائكة على سياجها الأصفر في الآونة الأخيرة. وردد المحتجون هتافات تطالب بإطفاء الأنوار في بيوت القيادات الحاكمة وإنارة بيوت أفراد الشعب. ويتيح الفشل في إصلاح قطاع الكهرباء لمحة عن الكيفية التي انزلق بها لبنان إلى أسوأ أزمة تواجهه منذ انتهت في 1990 الحرب الأهلية وكيف تفسخ النظام المالي تحت وطأة الدين العام فحال بين أصحاب المدخرات وحساباتهم المصرفية وتسبب في عجز الدولة عن سداد الدين السيادي وهوى بقيمة العملة اللبنانية وزاد معدلات الفقر. وزاد انفجار الأسبوع الماضي اللبنانيين بؤسا على بؤس بنشر الدمار في قلب بيروت التجاري وحرمان حوالي 250 ألفا من المأوى. كما جعل انقطاع الكهرباء عمليات إزالة آثار الانفجار أكثر صعوبة وخطورة في الشوارع المظلمة المغطاة بالزجاج المكسور والركام في ظل وجود خطر سقوط الحطام طوال الوقت. انقطاع الكهرباء جعل عملية إزالة آثار الانفجار أكثر صعوبة وخطورة في الشوارع المظلمة والمدمرة في بيروت وعزا المسؤولون الانفجار إلى كمية ضخمة من نترات الأمونيوم مخزنة بشكل غير آمن في مرفأ بيروت. وبالنسبة للكثير من اللبنانيين لم يكن الانفجار سوى أحدث مظاهر الإهمال من جانب النخبة الطائفية التي فشلت على مدى العشرات من السنين في توفير أبسط الخدمات. وقال جان كوبيس منسق الأمم المتحدة الخاص للبنان إنه بغير إصلاح قطاع الكهرباء من خلال “تدابير فورية وملموسة وسليمة تقنيا واقتصاديا، لا يمكن للبنان أن يوقف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي المتزايد ويصبح اللبنانيون محكوما عليهم ببؤس متزايد لن يستطيعوا أن يتحملوه”. وأضاف “البلد كله يعرف ذلك. لكن هل يدركه القادة؟”. وتصدت الحكومة للمنتقدين الذين اتهموها بالتقاعس عن إصلاح الشبكة. وبعد أن قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان خلال زيارة لبيروت في يوليو إن “خطوات معالجة مشكلة الكهرباء ليست كافية”، قال رئيس الوزراء دياب إن لو دريان “ليست لديه معلومات كافية عن مدى إصلاحات الحكومة”. ومشاكل شركة كهرباء لبنان متجذرة ومنها عجز في الإنتاج يبلغ 1500 ميغاوات على الأقل وشبكة التوزيع التي تتسبب في هدر كبير وسرقة التيار الكهربائي والتلاعب في العدادات ومشاكل التحصيل. ولم تتغير رسوم الكهرباء منذ التسعينات الأمر الذي أسهم في خسائر الشركة الضخمة وتعهدت حكومات متعاقبة بإصلاح ذلك لكنها لم تف بوعودها. وتتبادل كل الأطراف الاتهامات في تعطيل الإصلاح. وعندما تنقطع الكهرباء من شبكة الشركة تضطر المنازل إلى الاعتماد على موردين من القطاع الخاص على مستوى الأحياء بثمن باهظ. ويقدر اقتصاديون أن اللبنانيين يدفعون حوالي 1.5 مليار دولار أو أكثر لهؤلاء الموردين الذين يوزعون الكهرباء على الأحياء من خلال مولدات صغيرة وشبكة من الكابلات تتدلى في الكثير من الأحيان من أعمدة الإضاءة على نحو محفوف بالخطر. وسعت الحكومة في العام الماضي لتنظيم عمل أصحاب هذه المولدات لتخفيض الأسعار. ويحتاج عمر الهاني (38 عاما) الذي يعمل في محل للزهور في مدينة طرابلس الشمالية إلى استقرار التيار الكهربائي لابنه البالغ من العمر عشرة أشهر الذي يعتمد على جهاز استنشاق البخار لمساعدته على التنفس. وفي الوقت الحالي لا تصل الكهرباء إلى بيته إلا ساعة أو ساعتين في اليوم من الشبكة العامة في حين أن المولد المحلي لا يسد النقص ولذا يأخذ الهاني ابنه إلى بيوت الأصدقاء بحثا عن كهرباء. وقال الهاني وهو أب لستة أطفال يزيد دخله قليلا عن دولار في اليوم إن الوضع ليس سيئا فقط بل بالغ السوء. إلى جانب المصانع المحلية يمثل الشاطئ حول سلعاتا أرضا لم تمس تقريبا بالمقارنة مع مساحة كبيرة من الساحل اللبناني. يحف بالطريق الساحلي الهادئ غطاء أخضر وتلال صخرية ترتفع بشدة على أحد الجانبين وعلى الجانب الآخر شاطئ صخري يستمتع به المصطافون الأكثر جرأة. وقال مصدر دولي مطلع إن مجموعة البنك الدولي أثارت مخاوف بخصوص سلعاتا كموقع لمحطة كهرباء في 2018. وقال المصدر إن التكلفة تتضمن استحواذ الدولة على أراض وردم مناطق من مياه البحر وهو ما يعني أن الاستثمار ليس مجديا. وحددت خطة طوارئ أعدها البنك الدولي لقطاع الكهرباء أولويات الحكومة في أول 100 يوم من الحكم. ودعت الخطة لبدء عملية شراء لبنان محطة كهرباء في الزهراني في الجنوب والتي تعتبر على نطاق واسع موقعا مناسبا لأنها بالفعل مقرا لمحطة كهرباء. ومن شأن ذلك أن يسهم في خفض التكاليف.
مشاركة :